الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وآله ومن والاه، وبعد:
فتحديد ما هو بدعة من الأفعال الحادثة، وما ليس كذلك، موضوع شائكٌ للغاية، ورغم أنه أُفردت فيه العشرات من الكتب قديما وحديثا، إلا أنه لا يزال محارا للعلماء ومجالا كبيرا للخلاف بينهم.
والمستقرئ لمناهج العلماء في هذا الصدد يلحظ منهجين متضادين: أحدهما: يتوسع في تبديع المحدثات من الأفعال. والآخر: يضيِّق في ذلك. وليس من غرضي هنا التعرض للضوابط المختلفة للبدعة، ولكني أود عرض تقسيم :للمحدثات من الأفعال من حيث ما قد يسوغ فيه الخلاف وما لا يسوغ، فأقول:
المُحدثات من أفعال الناس التي لم تكن في زمن النص، أضرب ثلاثة:
أحدها: ما لا ينبغي الخلاف في كونه بدعة.
والضرب الثاني: ما لا ينبغي الخلاف في كونه ليس ببدعة.
والضرب الثالث: ما يحتمل الخلاف.
أما الضرب الأول فهو أنواع منها:
1. محدث خالف نصا شرعيا، كالصلاة إلى قبور الصالحين، وتزيين المصاحف بالذهب، والمسابقات التلفزيونية التي تتضمن الميسر، وأنواع المعاملات الحادثة التي تشتمل على الغرر كالتأمين التجاري، أو تشتمل على الربا، كالعينة، وغير ذلك.
2. محدث عطَّل سنة تعبدية ثابتة، وحلَّ محلها، كاستحداث ألفاظ جديدة بدل ألفاظ الأذان، أو أذكارٍ بدل المشروعة في الصلاة أو عقبها.
3. محدث في باب التعبُّد،لم يخالف نصَّا شرعيا، ولم يعطِّل سنة تعبُّدية ثابتة، ولكن افتقر إلى دليل خاص أو عام يدل على مشروعيته، كالإلزام بصلاة سادسة، أو إضافة سجود ثان في الركعات، أو التزام مسح الرقبة في الوضوء.
أما الضرب الثاني: وهو "ما لا ينبغي الخلاف في كونه ليس ببدعة"، فهو أنواع، منها:
1. محدث في باب العادات أو المعاملات، لا في باب التعبُّد، ولا يدل على حرمته نص. ومن ذلك: الأكل بالملاعق، واستعمال الصابون، وبطاقة الصرف الآلي، واستحداث المدارس، وبطاقات الهوية، وركوب الطائرات، وإشارات المرور وغير ذلك مما يدخل في عداد المصالح المرسلة.
2. محدث في باب التعبُّد دل دليلٌ خاص على جواز الإحداث فيه، كأصناف الدعاء بما ليس فيه تعدٍّ أو قطيعة رحم.
3. محدث دليله القياس الجلي ـ أو الذي في معنى الأصل أو القياس ذو العلة المنصوصة ـ على فعل معلَّل، وإن كان في باب العبادات ووسائلها من حيث الجملة، كالاستنجاء بالورق قياسا على الحجر، وتنظيف الأسنان بالفرشاة قياسا على السواك، واستعمال مكبِّرات الصوت في الصلاة قياسا على التسميع، واستعمال الخط لتسوية الصف في المسجد قياسا على وسائل أخرى استُعملت في زمن النص كضرب بلال، رضي الله عنه، على الأقدام، وفَصْل مصلَّى النساء عن الرجال قياسا على فصله، صلى الله عليه وسلم، الباب الذي تدخل منه النساء عن باب الرجال. ومن ذلك الأذان الأول يوم الجمعة الذي سنه عثمان، رضي الله عنه، قياسا على أذان الفجر الأول زمن النبي، صلى الله عليه وسلم. ومن ذلك إخراج الأرز في صدقة الفطر قِياسا على البر والشعير. واستعمال السُّبحة قياسا على التسبيح بالحصى الوارد إقرار النبي صلى الله عليه وسلم له.
وأما الضرب الثالث، و"هو الذي يحتمل الخلاف"، فأنواع منها:
1. محدث ورد بشأنه حديث ضعيف لم يشتد ضعفه، كصلاة التسابيح، بناء على الخلاف في استعمال الضعيف في فضائل الأعمال.
2. محدث في باب التعبُّد، ورد فيه عمل للصحابة أو خيار التابعين، كالتعريف يوم عرفة الوارد عن ابن عباس، رضي الله عنه، وزيادة "حي على خير العمل" في الأذان الواردة عن ابن عمر، رضي الله عنه، وكصلاة التراويح أكثر من إحدى عشرة ركعة، وختم القرآن فيها، وتلقين الميت عند دفنه، وإحياء ليلة العيد، وليلة النِّصف من شعبان، وغرس الشجر على القبور، ونحو ذلك مما صح فعله عن الصحابة أو خيار التابعين، رضي الله عنهم.
3. محدث لم يدل على مشروعيته دليل خاص بل عام أو مطلق، وخصَّصه المُحدِث بمكان أو زمان، كمن لا يأتيه خبر سار إلا صلى ركعتين، أو لا يطعم طعاما إلا صلى ركعتين شكرا، أو خصص ليلة ـ عدا ليلة الجمعة ـ للقيام، أو يوما في الشهر للصيام، أو عددا من التسبيحات في اليوم والليلة، وهكذا، فهذا يتشدَّد فيه قوم من باب سد الذرائع، ويتساهل فيه آخرون من باب {وافعلوا الخير لعلكم تفلحون}. والمالكية والحنابلة أقرب إلى منع هذا النمط من الإحداث بخلاف الحنفية والشافعية والظاهرية ممن لا يعتدون بالذرائع. والله أعلم.
يبدو ان حمى منهج الغلو بالتبديع يحدوا بالاصولين اعادة 🔁 ترتيب الاوراق الاصولية بحيث يتقبلها اهل الغلو .. زمان اصبح فيه الحليم حيران .. لكن اطمئنوا سنة الله تعالى ان الغلو لا ينتصر .. والناس سترتد عنه
ردحذفجميل شيخنا وفقكم الله ونفع بكم الإسلام والمسلمين
ردحذف