أستاذ الفقه وأصوله

أستاذ الفقه وأصوله
كلية الشريعة
جامعة قطر
‏إظهار الرسائل ذات التسميات بحث علمي. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات بحث علمي. إظهار كافة الرسائل

الأربعاء، 8 سبتمبر 2021

استعمال ضمير الجمع عند التخاطب أو الكتابة

كثيرٌ من محكمي البحوث والرسائل العلمية ينتقدون استعمال الباحث ضمير الجمع "نا" تعبيرا عن نفسه في الخطاب، كأن يقول: قلنا ، وعندنا، ونرى، ونحو ذلك، نظرا منهم إلى أن هذا ينافي التواضع ويبرز الأنا، وهناك أيضًا منهم من ينتقد تعبير الباحث بضمير الغيبة: كأن يقول: ويرى الباحث، ويقول الباحث لنفس السبب السابق. وهذا - في رأيي - تنطع وتكلف، وإنما يكثر صدوره عن الحكام الذين يركزون في نقدهم على الشكليات، والعجيب أنهم ينتقدون البحوث أيضا بعدم ظهور شخصية الباحث في البحث: فإذا قال: أرى ونرى وأقول ونقول، قالوا هذا ينافي التواضع، فيحتار المرء ماذا يكتب وكيف يعبر عن أفكاره الخاصة واختياراته وترجيحاته.

والصحيح أنه لا إشكال في كل ذلك، والتعبيرات المذكورة لا تنافي التواضع ولا هي من الأسلوب المرذول والمنتقد في التعبير، بل هي عرف عام في الكتابة العلمية قديما وحديثا لولا تنطعات بعض الشكليين ممن تأثروا بكتب آداب البحث ومناهجه المعاصرة التي تكثر النقل عن الكتب الأجنبية دون الانتباه لفوارق اللغة والثقافة والأعراف الكتابية الخاصة بكل علم من العلوم عند الأمم المختلفة. ومؤلفات التراث العلمي للمسلمين طافحة بالتعبير بضمير الجمع عن المتكلم وقد كان أسلافنا أكثر منا أدبا وتواضعا، فمثل هذا النقد في غير محله، ولا يشتغل به محصِّل.

يقول الدكتور طه عبد الرحمن مبينا  وجه التعبير بضمير الجمع عن المتكلم في الكتابة العلمية:

"إذا نحن استعملنا ضمير الجمع بدل ضمير المفرد في كتاباتنا، فلأن هذا الاستعمال تقليد عربي أصيل في صيغة التكلم من صيغ الكلام، ثم لأنه هو الاستعمال المتعارف عليه في المقال العلمي والتأليف الأكاديمي، فضلا عن أنه يفيد معنى "المشاركة" و"القرب"، إذ يجعل المتكلم ناطقا باسمه وباسم غيره، ولا غير أقرب إليه من المخاطب، حتى كأن هذا المخاطب عالم بما يخبره به المتكلم ومشارك له فيه، فيكون ضمير الجمع، من هذه الجهة، أبلغ في الدلالة على التأدب والتواضع من صيغة المفرد، ولا دلالة له إطلاقا على تعظيم الذات ولا على الإعجاب بالنفس". التكوثر العقلي (هامش(1)، صفحة 12) .


أيمن صالح

https://t.me/alfikh

الأحد، 9 مايو 2021

الفقيه ومعركة القرآن



مُعظم القرآن صراعٌ بين الحقّ والباطل، بين الإيمان والكفر، بين الأنبياء من جهة والكافرين والمنافقين في الجهة المقابلة. هذي هي معركة القرآن وقضيته الكبرى: تقرير الوحدانية، وتصحيح أصول الاعتقاد: الخلق، البعث واليوم الآخر، التنزيه، الصفات العلى، والأسماء الحسنى.

أمّا الأحكام التشريعية العَمَليّة فَلَمْ يُكثر القرآن من تناولها، إذ بلغت آياتها مائة وخمسين فقط من نحو ستة آلاف ومائتي آية عدد آي القرآن، وأوصلها بعضهم إلى خمسمائة آية، وهي، على هذا العدد، لا تزيد نسبتها في القرآن عن 8% من مجموع آياته.

على أن تناول القرآن للأحكام في تلك الآيات غالبه كليٌّ إجمالي لا يتعمّق في التفاصيل، كالأمر بالصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد وتحريم القتل والخمر والميسر والزنا والربا وتطفيف الميزان ونحو ذلك.

وهذا التناول القرآني المقتضب والمجمل للأحكام يجعل معظم القرآن بعيدًا عن همّ الفقيه وشغله الشاغل، لأن شغل الفقيه إذا كان مجتهدا هو استنباط الأحكام العملية المظنونة التي تحتاج إلى نظر واجتهاد أو الموازنة بين ما استنبطه السابقون منها، وبيان ما يدعم هذا الاستنباط أو الاختيار من أدلة المنقول والمعقول، والرّدّ على ما يَرِد على هذا الاستنباط أو الاختيار من اعتراضات المجتهدين الآخرين الذين قد يخالفونه الرأي. وأما "الفقيه" المقلِّد فشغلُه الشاغل حفظ استنباطات واختيارات مَتبوعه، وتعزيز الاستدلال لها والجدال عنها ونشرها: تعليمًا وتأليفًا وإفتاءً.

ومن ثَمّ يمكن القول إنّ معركة الفقيه، مجتهدًا ومقلِّدًا، ليست هي معركة القرآن، معركة القرآن في العقائد والتصورات، ثم بدرجة أدنى، في القطعيات من الأحكام العَمَليّة. وأمّا معركة الفقيه ففي مُغَلّبات الظّنون من الأحكام العمليّة التفصيليّة. تلك الاحكام التي اختلف الأصوليّون هل الحقّ فيها واحد والمخطئ معذور، أو كلّ مجتهد فيها مصيب، ولأجل ذلك هوَّن من الاشتغال بها ابن الوزير (ت849هـ) رحمه الله بقوله: «‌الخوض ‌في ‌المسائل ‌الظنية الفروعية على جهة المنازعة في بيان المُحق من المُبطل لا يشتغل به مُحصِّل، لأنّ الأمر قريب فيما كلٌّ فيه مُسامَحٌ أو مُصيب». (العواصم والقواصم 3/ 6).

وإذا أراد الفقيه أن يتفاعل مع قضايا القرآن الكبرى وينخرط في جند معركته – ولا بد له من ذلك لأن هذا هو المفروض في كلّ عالم ربّاني - فليحذر من التمادي مع الفقه (الفروعي) إلى درجة يشغله هذا التمادي عن فضيلة الجهاد المعرفي والبياني في قضايا الدين والقرآن الكبرى.

وعليه أن يهتمّ بـ"الفقه في الدين" بالمعنى الشرعي الوارد في الكتاب والسنة، الذي سار عليه الأوّلون من علماء الصحابة والتابعين ومن بعدهم في خير القرون، الذي يجعل "الفقه" شاملا للعلم بالأصول والفروع، والقضايا العلمية والعملية معًا، وليس ذاك القاصر على العلم بالأحكام الفرعية التفصيلية الظنية عن اجتهاد أو تقليد، كما آل إليه معنى "الفقه" عند المتأخّرين.

وحتى في مجال الأحكام العمليّة فعلى الفقيه أن يقترب أكثر من معركة القرآن، وذلك بأن لا تقتصر دراسته على تناول الأحكام الظنيّة والتعليل الجزئي القياسي، بل يتناول بالدراسة والبحث والتعليم والدعوة قضايا القطع من مسائل الأحكام ومقاصد الشريعة، ببيان وجاهتها وفاعليتها في التطبيق وكيف أنّ امتثالها يؤدّي إلى انتظام مصالح الخلق على صعيد الفرد والأسرة والدولة والعالم، وينافح عن هذه الأحكام والمقاصد في وجه النظريات التشريعية والاخلاقية التي تتبناها شرائع وقوانين وأعراف غير المسلمين شرقًا وغربًا، على نحو ما يوجد في الكتب التي تُعنى بالمقارانات التشريعية بين الفقه الإسلامي والقوانين الوضعية، والتي عادة ما يخوض فيها قانونيون ذوو خلفيات فقهية عامّة، ولا تلقى عناية كافية من الفقهاء.

آن الآوان للفقيه المعاصر أن يخرج من برجه العاجي الذي يعزله عن قضايا القرآن: قضايا الحق والباطل، قضايا الكفر والإيمان، ويتخفَّف من معاركه الجدليّة في ذلك البرج مع طواحين الهواء التي يواجه فيها غيره من إخوانه الفقهاء المسلمين ليباشر المعارك التشريعية الحقيقيّة التي يقارع فيها أهل الكفر والإلحاد وأصحاب النظريات الوضعية والمادية من فلاسفة القانون والأخلاق والاجتماع والاقتصاد.

وهذا الانزياح الحادّ في طريقة قيام الفقيه بواجبه في حق "الفقه" و"العلم"، يحتاج منه أن يوسِّع في أدواته ومناهجه البحثية، فتصبح دراسة أصول القانون وفلسفته جزءًا من مؤهّلاته لا أصول الفقه وعلوم اللغة فحسب، ويغدو التسلّح بمناهج العلوم الاجتماعية في البحث والاستنتاج من أهمّ الأدوات التي تؤهِّله للقيام بواجبه. وبذلك يكون مشاركًا، مع إخوانه من علماء العقيدة والدعوة والفكر، في معركة القرآن، لا واقفًا منها على الحياد، أو جالسا في مقاعد "المتفرجين"، كما هو الواقع الآن في حال أكثر الفقهاء.

الأحد، 21 فبراير 2021

20 موضوعا مقترحا لبحوث أكاديمية أو رسائل علمية في مجالي الفقه وأصوله


رغم قناعتي التامة بأن أفضل مواضيع البحوث هو ما توصل إليه الباحث بنفسه نتيجة لمطالعاته فإني إسعافا لبعض الطلبة أنوه بالموضوعات الآتية، علما بأن بعضها قد يصلح لبحث قصير محكم، وبعضها قد يصلح لرسالة، وبعضها قد يكون درس سابقا فيحتاج الطالب إلى مراعاة ما كتب وهل هو قادر على الإضافة العلمية عليه أو لا.

  1. انتفاء الحكم لانتفاء العلة (عكس العلة): دراسة أصولية تطبيقية على أحاديث الأحكام في باب (المعاملات).
  2. مشروع يحيى محمد التجديدي في الفقه والأصول: عرض وتقويم
  3. المسائل المختلفة في الاسم المتحدة في المضمون (الأشباه) في أصول الفقه: جمع ودراسة
  4. نوازل وسائل الاتصال السمعي والمرئي: جمع ودراسة
  5. ظاهرة كثرة الاستثناء والتقييد في قواعد أصول الفقه عند الحنفية: دراسة في الأسباب والآثار
  6. معالم التجديد الأصولي عند الإمام الغزالي
  7. قول الصحابي المخالف للقياس: دراسة نظرية تطبيقية
  8. تطبيقات قادح القول بالموجب في القياس في كتاب تحصين المآخذ للغزالي (أو الاصطلام للسمعاني): دراسة وتقويم
  9. تطبيقات قادح الفرق في القياس في كتاب تحصين المآخذ للغزالي (أو الاصطلام للسمعاني): دراسة وتقويم
  10. تطبيقات قادح القلب في كتاب تحصين المآخذ للغزالي (أو الاصطلام للسمعاني): دراسة وتقويم
  11. تطبيقات قادح نقض العلة في كتاب تحصين المآخذ للغزالي (أو الاصطلام للسمعاني): دراسة وتقويم
  12. دراسة مقارنة بين منهجي السمعاني والغزالي في الجدل الفقهي في كتابيهما تحصين المآخذ والاصطلام
  13. القياس الطردي عند الأصوليين: مفهومه وحجيته وأمثلته
  14. التطور العلمي في مؤلفات الغزالي الأصولية في مسائل التعليل والقياس: دراسة وتقويم
  15. اجتهادات الصحابة رضوان الله عليهم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم: جمع ودراسة
  16. ما حرم من البيوع سدا لذريعة الربا: دراسة فقهية
  17. قصد الشريعة إلى الحد من المداينات وأثره في تقويم منتجات المصارف الإسلامية (كتبت فيه بعض البحوث القصيرة لكنه محتمل للتوسيع ولاسيما في بيان أثر الديون على الاقتصاد)
  18. قصد الشريعة إلى الحد من الإنفاق البذخي وأثر ذلك في تقويم شروط التمويل وأدواته في المصارف الإسلامية.
  19. الاستحسان للمصلحة وتطبيقاته المعاصرة
  20. النماذج البديلة التي اقترحت عوضا عن المصارف الإسلامية في وضعها الراهن: جمع ودراسة

الاثنين، 1 يونيو 2020

رسائل الماجستير والدكتوراه في الدراسات الشرعية: أيُّ بديل؟!



الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله ومن والاه، وبعد: 

فالعلومُ النقلية، كعلوم الشريعة من فقهٍ وأصوله وحديث وتفسير، تتّصف بقدر كبير من الثبات. وحجمُ التغيُّر والتطوّر فيها لا يقارن البتة بالعلوم الدنيوية من اقتصاد واجتماع وطبٍّ وهندسة إلى آخر ما هنالك. وذلك لأنها بطبيعتها تقوم على النقل وخدمته، والنقل، الذي هو الشرع، ثابتٌ مكتملٌ في ذاته: {اليوم أكملت لكم دينكم}، واضحٌ محكمٌ في معظم مدلولاته: "تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها"، قديمٌ معمِّرٌ في وجوده، ولذلك تتابعت على تبليغه، وتفسيره، وشرحه، وتنزيله على مقتضيات الزمان والمكان ملايينُ العقول على امتداد التاريخ الإسلامي، ولذلك لا عجب أن أفتى كثير من علماء العصور المتأخِّرة بغلق باب الاجتهاد، ووصفوا بعض علوم الشرع بأنها نضجت، وبعضها الآخر بأنها نضجت واحترقت، ممّا يعني ألا مجال لمزيد من الكتابة فيها إلا لمتكلِّف. ومن هنا فعندما قال ابن العربي (ت543هـ)، كلمته المشهورة في مقدمة عارضة الأحوذي: "ولا ينبغي لحصيفٍ أن يتصدّى إلى تصنيفٍ أن يعدل عن غرضين: إما أن يخترع معنى، أو يبتدع وصفا ومبنى... وما سوى هذين الوجهين، فهو تسويد الورق، والتحلّي بحلية السرق". استدرك بعد ذلك قائلا: "فأمّا إبداع المعاني فهو أمر معوز في هذا الزمان، فإن العلماء قد استوفوا الكَلِم، ونصبوا على كل مشكل العَلَم، ولم يبق إلا خفايا في زوايا، لا يتولَّجها إلا من تبصّر معاطفها، واستظهر لواطفها ... ". 

قلت: قال هذا الكلام وهو من علماء القرن السادس الهجري فكيف الحال الآن ونحن في القرن الرابع عشر الهجري، مما يعني أن "الخفايا في الزوايا" التي ذكرها لا شك قد استنفدت.

ثمّ لا يخفى أن المستحِقّ لقبَ العالم في الإسلام ليس قاصرًا على الباحث في علوم الشرع، المشيِّد لأركان هذه العلوم، المجدِّد في بنيانها، المبتكر في عرضها وتحليلها، بل هو يشمل أيضًا الحافظ لهذه العلوم، المبلِّغ إياها لغيره، ولو لم يتعمّق في الاستنباط منها وفي توظيفها. ولو أَجَلْنا النظر في تراجم آلاف العلماء الذين تزخر بسيرهم كتب التاريخ والطبقات لوجدنا أنّ قلة قليلة منهم قدّموا، أو كتبوا، ما يمكن وصفه بأنه "إضافة علمية" فعلية بالمعايير البحثية المعتمدة في العلوم الدنيوية هذه الأيام، بل غالب ما خلّفوه من التأليف هو من قبيل البحوث الثانوية التي تهدف إلى التجميع أو الترتيب أو الاختصار أو الشرح الميسّر للفهم. وحجمُ النقول عمّن سبق في مؤلفاتهم هذه يشغل حيِّزا واسعا منها يكاد يشملها كلَّها إلا قليلا. 

والذي أرمي إليه من هذا التقديم أنّه من الصعوبة بمكان في العلوم النقلية إيجاد موطئ قدم للتأليف الابتكاري في الموضوع والجوهر. ولو كان لا يوصف عالما إلا من قدَّم مقاربة جديدة في التأليف لكان عدد علماء الإسلام قليلًا جدًّا. 

وفي مستهل العصر الحديث مع بدايات القرن العشرين وجدنا جُلّ كتابات علماء الشريعة تتركّز في تجديد شكل العلوم، فألَّفوا عشرات الكتب التي تعرض علوم الشريعة من الفقه وأصوله وعلوم الحديث والقرآن والاعتقاد، بلغة عصرية ميسرة، وطباعة أنيقة، هي أنسب لمتعلمي هذا الزمان.

ثمّ مع فَْرْنَجة أنظمة التعليم في عهد الاستعمار وافتتاح الجامعات، وفي ضمنها كليات التعليم الشرعي، وصيروة الكتابة العلمية شرطا للتخرّج من هذه الكليات في مرحلتي الماجستير والدكتوراه، نشأ توجُّهٌ جديد في التأليف في العلوم الشرعية يقوم على الدراسة المتخصِّصة لموضوعات فرعية في هذه العلوم. وهذه الظاهرة لم تكن بهذا الاتساع قبل هذه المرحلة، بل كان أكثر ما يؤلُّف في القديم، وقبل مرحلة الجامعات، موسوعيًّا يتناول الفقه كله أو أصول الفقه كله أو علوم الحديث أو العقيدة كلها، وهكذا...، وأمّا مع هذه المرحلة فقد صار الباحث يعمد إلى عنوان فرعي ما أو باب معين في الكتب القديمة، فيتناوله بالبحث مستقرئًا ما قيل فيه ومقارنا ومرجِّحا. 

وفي مرحلة لاحقة، وبعد أن انخرط معظم المشتغلين بالعلوم الشرعية في السلك الأكاديمي للجامعات، ظهرت الحاجة إلى مؤلفات أكثر إيجازا وأدقّ محتوى من الرسائل العلمية في الماجستير والدكتوراه، وذلك لغايات الترقيات العلمية. ومن هنا بدأ الأساتذة يتوجهون إلى الكتابة في عناوين موضوعات جزئية دقيقة في مختلف العلوم الشرعية يمكن استيعاب الموضوع منها بالعرض والمقارنة والتمثيل والترجيح بكتابة خمسين صفحة أو نحوها. 

وبمرور الزمان ومع كثرة الخرِّيجين بحكم الزيادة الطبيعية لأعداد المسلمين، وفشوّ التعليم الشرعي الأكاديمي وانتشاره، استُهلكت العناوين الكبيرة التي يمكن أن تُكتب فيها الرسائل، وقلَّت كثيرًا كذلك العناوين الفرعية الدقيقة التي يمكن أن تكتب فيها البحوث القصيرة المحكّمة. 

ومع هذا الانحسار للعناوين والمواضيع غير المطروقة بالتأليف نشأت وبدأت بالتفاقم أزمةُ الوقوف على عناوين تمكن الكتابة العلمية فيها بنوعٍ من الجِدّة، ولو في الجمع والترتيب والمقارنة، وصار شُحّ العناوين مقلقًا جدًّا للأكاديميين الشرعيِّين عامّة، ولطلبة الماجستير والدكتوراه خاصّة الذين هم في أوائل مشوارهم البحثي. 

وهذه الأزمة لا تزال تتفاقم سيّما مع مئات (أو ربما آلاف) الخريجين الذين تقذف بهم الجامعات في أرجاء العالم الإسلامي في كل عام. ولا بد لعقلاء هذه الأمة من الوقوف إزاء هذه الأزمة وقفة تأمّل بغية إيجاد الحلول. وهذا المقال إنما هو محاولة في هذه الاتجاه وفي الوقت نفسه دعوةٌ إلى التباحث والتفاكر حول أسباب هذه الأزمة ونتائجها وطرق علاجها. 

أمّا الأسباب فأستطيع من خلال ما تقدم أن أوجزها في الآتي: 

1. الثبات النسبي الذي تتمتع به العلوم الشرعية في معظمها مما يجعل توليد مواضيع قابلة للبحث وإعادة النظر محدودًا جدًّا. 

2. قدم العلوم الشرعية واستقرارها وكثرة الناظرين والكاتبين فيها على مدار التاريخ مما ضيق المجال أمام مزيد من الكتابة فيها إلا مع التكرار الكثير. 

3. كثرة خريجي الدراسات الشرعية وزيادة الالتحاق منهم بالدراسات العليا في سبيل تحسين أوضاعهم الاجتماعية والمادية، وهذه الزيادة في العدد قابلها تناقص شديد في عدد المواضيع غير المطروقة التي تستحق البحث والتأليف. 

وأمّا النتائج فأهمّها الآتي: 

1. في ظل شحّ المواضيع بدأت مؤسسات التعليم العالي بالتساهل في قبول مشاريع الخطط، ممّا أدّى إلى انتشار ظاهرة التكرار والنقل في البحوث الشرعية مع الإشارة والعزو أحيانا ومن دونها في أحيانٍ أخرى. وهذا بدوره جعل معظم هذه البحوث يتَّسم بالضعف وقلّة الجدوى بحيث لا تحقّق الغاية التي اشترط إنجاز هذه البحوث من أجلها استكمالا لمتطلبات الدرجة العلمية، سواء الغاية المتمثلة بالفائدة التي تنعكس على الباحث نفسه بتقوية تحصيله وشحذ ملكته العلمية أم المتمثلة بالفائدة التي تعود على المجتمع عامّة بإمداده ببحوث نوعية تسير بالعلوم خطوات إلى الأمام. على أنّه ينبغي أن يُلاحظ هاهنا أنّ كثرة المؤلفات (التكرارية) مضرة بالعلوم كما قال ابن خلدون، وذلك لأنها تشتت المتعلم والباحث عن الفائدة وتضله عن الوصول إلى البحث النوعي الذي يضيع بين عشرات البحوث الأخرى التي تحمل نفس العنوان أو عنوانا مقاربا، حتى أضحينا في هذا الزمن في تحدٍّ بالغ وجُهدٍ جهيدٍ في الوصول إلى الكتابات الرصينة بفرزها وتمييزها عن فيض الكتابات الأخرى التكرارية الضعيفة في الموضوع نفسه، وأصبح العلم - كما قيل - نقطةً كثَّرها الجاهلون.

2. وفي ظل شحّ المواضيع أيضا صارت مؤسسات التعليم تقبل البحث في موضوعات هامشية تافهة أو قليلة الجدوى محدودة الفائدة والأثر على الباحث نفسه أو على المجتمع، لا لشيء إلا لأنها غير مطروقة. 

3. ازدياد الضغط النفسي على طلبة الدراسات العليا وعلى القائمين على الكليات الشرعية فيما يتعلق بإيجاد العناوين وإقرار مشاريع الخطط. 

4. ضياع وقت وجهد كبيرين على الطالب في التنقيب عن عناوين تستحق البحث، وكذا ضياع وقت المؤسسات العلمية وجهد أساتذتها في دراسة العناوين الكثيرة التي يقدِّمها الطلاب وتتبُّع أصالتها وجِدّتها واستحقاقها البحث، ولا سيما مع ضعف فهرسة المؤلفات التي تكتب في العلوم الشرعية وتصنيفها، وصعوبة الوصول إليها عناوين ومحتويات.

وأمّا الحلول فأقترح الآتي: 

1. إعادة النظر في صلاحيّة نظام التعليم الجامعي الذي استوردناه من الغرب وطبقناه في بلادنا في مجال العلوم الشرعية. هل هو مناسب لطبيعة هذه العلوم؟! وإذا كانت الغاية الكبرى لأي مؤسسة تعليمية شرعية هي تخريج العالم الرباني، فهل من شرط العالم أن يكون باحثا مبتكِرًا في التأليف، وهل من بحث موضوعا فرعيًّا دقيقًا هنا أو هناك في رسالة الماجستير أو الدكتوراه، حتى مع افتراض تجديده وابتكاره فيما بحث، أهلٌ لأن يكون عالما، ومن ثَمّ معلِّما في مؤسسات التعليم العالي من جامعات ومعاهد. إنّ من المفارقات في نظام التعليم الحالي في الدراسات العليا ولا سيما الدكتوراه أنه يركِّز على المنجز البحثي، بينما في الواقع العملي الوظيفي نجد أن أكثر خريجي الدكتوراه لا يعملون في مجال البحث بل في مجال التعليم أو الدعوة أو الإدارة ونحو ذلك، وكثيرٌ منهم يكون آخر عهده بالبحث رسالته للدكتوراه، وإن كتب بعضهم شيئا فبحوث جزئية تقليدية قليلة الدَّسم لأغراض الترقيات والمشاركة في المؤتمرات. وهم لا يلامون في ذلك لأنّ الجمع بين التعليم والبحث ليس سهلا، سيما مع تعقيدات الحياة الأخرى في هذه الأعصار، بل إن ممّا لاحظته في مسيرتي الأكاديمية في مؤسسات مختلفة لما يقارب العشرين سنة هو أن التفوّق في البحث والنشاط المكثف فيه لدى الأستاذ مظنة لضعف أدائه في مجال التعليم، وقليل من الأساتذة من يبرِّز في التعليم والبحث معا. وممّا يمكن أن نقترحه من تعديلات على نظام التعليم الحالي في الدراسات العليا في العلوم الشرعية ما يأتي: 

(‌أ) جعل مقرر الرسالة اختياريًّا في مرحلة الماجستير، ويُعوّض عنه في المقابل بدراسة مقررات علمية تكوينية. مع اشتراط التفوق العلمي في تأهل الطالب لأخذ مقرر الرسالة نفسه وتزكية الأساتذة له بناء على تقييم موضوعي للبحوث الفصلية التي قدمها في المقررات أثناء دراسته التكوينية، وإلا جبر على دراسة المقررات التكوينية دون مقرر الرسالة. وهذا الحلّ تعمل به بعض الجامعات بشكل أو بآخر. ومن شأنه توجيه طالب الماجستير، غير الراغب بالبحث، أو ضعيف القدرة فيه، إلى مجالات مهنية يحتاجها سوق العمل ليس البحث أو إتقانه من مستلزماتها، فما كل من أراد الرقي في السلك الأكاديمي يبغي أن يكون باحثا أو يلزمه ذلك، أو ينوي أن يواصل إلى مرحلة الدكتوراه. 

(‌ب) تقليل أعداد المقبولين في الدكتوراه واشتراط أن يكونوا ممّن أنهى الماجستير بالرسالة لا بالمقررات وحدها، مع تقييم بحثه للماجستير وجعل جودته شرطا للقبول في مرحلة الدكتوراه. 

(‌ج) التوسّع في السماح لحملة الماجستير في التدريس في مؤسسات التعليم العالي في مرحلة البكالوريوس إذا كانوا مؤهّلين للتعليم تأهيلا جيّدًا. وتوجيه حملة الدكتوراه إلى تعليم طلاب الدراسات العليا، وإلى العمل في مراكز البحث العلمي. وهذا من شأنه تقليل التركيز على المؤهّل البحثي للتدريس في مؤسّسات التعليم العالي؛ إذ لا معنى لجعل المهارة المتقدِّمة في البحث شرطًا في التأهل لتعليم طلاب البكالوريوس في الدراسات الشرعية، بل ثمة مهارات أخرى أولى بالحاجة والاعتبار، كالتحصيل العلمي والتفوق فيه، وإتقان أساليب التدريس، والمهارة في تكنولوجيا التعليم. 

2. وضع الكليات والمؤسّسات الشرعية مشاريع بحثية كبرى وتقسيمها وتوزيع العمل فيها على عدد من طلاب الدراسات العليا. وهذا تقوم به بعض الجامعات، وهو لا شك يخفِّف من عناء إيجاد مواضيع فرعية مستقلة تصلح لبحوث الماجستير والدكتوراه، لسببين: أحدها أنّ المشاريع الكبرى أيسر إيجادًا لقلة التوجه إليها بالكتابة مقارنة بالعناوين الصغرى التي استهلكتها رسائل الماجستير والدكتوراه وبحوث الأساتذة، والسبب الثاني: أنّها تحتمل عددًا لا بأس به من الباحثين ربما العشرات منهم. لكن يظل عبء الإشراف على هذه المشاريع ووضع خطط دقيقة ومناهج موحّدة لإنجازها تحدّيًا لا بأس به أمام القائمين على المؤسسات التعليمية. 

3. استبدال الرسالة سواء الدكتوراه أم الماجستير بمجموعة من البحوث الدقيقة المحكمة ولو في موضوعات متفرقة. لأن هذه الموضوعات الدقيقة أوفر عددا وأعظم عائدًا. ومن حسنات هذه الطريقة تقليل الحشو في الرسائل العلمية، لأن كثيرا من الباحثين يضطر للحشو في موضوعه الضيق لغاية الاستجابة إلى متطلبات المؤسسة التعليمية والأعراف الأكاديمية التي تشترط حجمًا معيّنا لرسالة الماجستير والدكتوراه. 

4. التوجّه نحو البحوث الشرعية الميدانية الخليطة، حيث ينقسم البحث إلى جزئين جزء نظري وهذا قد لا يشتمل على إضافة علمية، والآخر جزء ميداني في مجال الأسرة أو الدعوة أو الإعلام أو القضاء أو الإفتاء أو الأوقاف ...الخ. مع ملاحظة أن إعداد هذه البحوث بجودة يتطلب تدريب طلاب الدراسات العليا في العلوم الشرعية على مهارات البحث الميداني كطرق جمع المعلومات وتصنيفها وتحليلها. 

5. التوجّه نحو البحوث البينية بين التخصصات بحيث يتناول الطالب موضوعًا واحدًا من زاويتين: زاوية الشرع، وزاوية علم آخر، كعلم النفس مثلا، أو علم الاجتماع، أو الاقتصاد، أو الإدارة، أو الإعلام، أو القانون، ونحو ذلك. وهذا النوع من البحث ليس سهلا؛ لأنه يتطلب الإلمام الجيد بالشريعة من جهة، وبالعلم الآخر من جهة أخرى، لكنّه مع ذلك يفتح آفاقا واسعة للبحث التكاملي بين علوم الشرع والعلوم الأخرى. 

6. استبدال مقرّر الرسالة، ولا سيّما في مرحلة الماجستير، بمشروع يسفر عن منتج شرعي ليس بالضرورة أن يكون قائمًا على البحث، كابتكار وسيلة تعليمية شرعية حديثة متطورة، أو إنتاج مادة إعلامية شرعية كفلم وثائقي، أو تصميم برمجية شرعية ما، أو موقع إلكتروني ذي محتوى شرعي متجدد... الخ. والقصد هنا توسيع مجال الإنتاج الابتكاري لا ليكون مقتصرا على الكتابة العلمية بل يشمل أي إنتاج سمعي أو بصري أو حاسوبي من شأنه أن يخدم الشريعة الإسلامية. وفي نظري مثل هذه المنتجات أولى بالاعتبار من تحقيق مخطوط قديم غير ذي أهمية مثلا، أو كتابة رسالة غالبها النقل عن الآخرين باللفظ أو المعنى. 

هل لديك مقترحات أخرى؟ اكتبها في التعليق لو سمحت.

الخميس، 28 نوفمبر 2019

عناوين مقترحة للبحوث والرسائل في الفقه وأصوله

  1. أراء الجاحظ في الفقه والأصول: جمع ودراسة
  2. التجديد في الفقه وأصوله عند محمد مصطفى شلبي
  3. ما قيل بحمله على الإمامة من تصرفات النبي صلى الله عليه وسلم: جمع ودراسة
  4. آراء مجتهدي السلف التي لم يقل بها أحد من أئمة المذاهب السنية الأربعة: جمع ودراسة (يمكن في هذا البحث تتبع كتاب "رحمة الأمة في اختلاف الأئمة" حيث ذكر خلاف غير الأربعة إذا اتفقوا)
  5. اختلافات المزني مع الشافعي: جمع ودراسة
  6. المسائل التي وافق فيها المذهب الحنبلي مذهب أهل الرأي (الحنفية) وخالف مذاهب أهل الحديث (المالكية والشافعية): جمع ودراسة
  7. مناهج التأليف في الاختلاف الفقهي حتى نهاية القرن الخامس الهجري
  8. محدثات السلف (القرون الثلاث الأولى) في باب العبادات: جمع ودراسة
  9. التأليف الأصولي في العصر الحديث (الثالث والرابع عشر الهجري): مناهج ومعالم
  10. أصول الفقه الذي لا يسع الفقيه خلافه (قطعيات الأصول)
  11. المسائل التي زعم ابن عبد البر الإجماع فيها خطئا : جمع ودراسة
  12. المسائل التي زعم ابن المنذر الإجماع فيها خطئا: جمع ودراسة
  13. التوصيات المقترحة في تجديد الفقه وأصوله عند المعاصرين: جمع ودراسة
  14. الحنابلة الجدد: بواعث الظهور والمنطلقات والتوجهات.

الثلاثاء، 5 نوفمبر 2019

وصايا موجزة في البحث العلمي ولاسيما في العلوم الشرعية

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وآله، ومن والاه، وبعد:

فهذه وصايا موجزة ومركزة، نتيجة خبرة متراكمة في الإشراف ومناقشة الرسائل العلمية وتحكيم البحوث وتدريس مناهج البحث، ولا سيما في المجال الفقهي، مسرودةٌ على غير ترتيب في الأهمية.

وقد تجمعت عندي على فترة متراخية من الزمن، ولا زالت قابلة للزيادة. 

بعض هذه الوصايا لازم أكيد ولاسيما في العرف الاكاديمي، وبعضها الآخر محل نظر واجتهاد. ومن جهة أخرى بعضها الخطب فيه يسير، وبعضها الآخر في الغاية القصوى من الأهمية.

إليكها:
  1. لا تبدأ بذكر الأدلة قبل استيفاء الأقوال في المسألة، أو بعبارة أخرى، لا تخلط في العرض الأولي بين الأدلة والأقوال بل استوف ذكر الأقوال ثم اشرع بعد ذلك بذكر أدلة كل قول.
  2. عند عرض الأقوال قسّمها تقسيما منطقيا (طرفان ووسط)، أو ردها إلى أصول واتجاهات كلية، ثم تفرعات من كل اتجاه، أو اعرضها عرضا تاريخيا متسلسلا، مع ذكر تاريخ الوفاة بالنسبة للقدماء أو تاريخ نشر الكتاب/البحث بالنسبة للمعاصرين، أمام كل صاحب قول.
  3. حرّر محل النزاع بذكر مواطن الاتفاق قبل البدء بذكر الأقوال في المسألة.
  4. ضمّ المتشابه من الأقوال في قول واحد ثم عدِّد أصحابه. ولا تقل قال الحنفية ثم قال المالكية ثم قال الشافعية ثم قال الحنابلة، موردا نقولا عن كل مذهب منهم، بل انظر إلى المعنى المشترك بين الأقوال ثم انسبه إلى قائليه. فمثلا قل: القول الأول: لا خيار للمجلس في البيع، وهو مذهب الحنفية والمالكية، والقول الثاني: وجود خيار للمجلس. وهو مذهب الشافعية والحنابلة.
  5. إذا ذكرت أدلة القول فلا تقل: أدلّة القول الأول وتذكرها، ثم أدلّة القول الثاني وتذكرها، بل أعط وصفًا مناسبًا للقول: مثلا: أدلة المجيزين، أو أدلة المانعين. أو أدلة المضيِّقين، أو أدلة الموسِّعين، أو أدلة الموجبين، أو أدلة المحرمين، أو أدلة القائلين بالوجوب، أو أدلة القائلين بالندب، وهكذا...
  6. لا تُطل في التعريف اللغوي إلا لغرض كبيان التطور التاريخي للفظ وصولا إلى المعنى الاصطلاحي.
  7. لا تكرِّر نقل (اقتباس) الفكرة نفسها عن أكثر من كتاب كأكثر من معجم أو أكثر من كتاب فقهي من المذهب نفسه، وإنما اقتبس الفكرة من أحد تلك الكتب وإن شئتَ اسْردِ الكتب الأخرى في الحاشية بعد توثيق الفكرة من مصدرها. وقد تحتاج لتكرار نقل نفس الفكرة أحيانا لغرض: كاشتمال أحد الكتب على زيادة مهمة لا توجد في غيره، أو لأن الفكرة موضع جدل وتحتاج تأكيدا بتكرار النقل عن أكثر من كتاب، أو لأن الاقتباس عن الكتاب عزيز غير مشهور أو موجود في غير مظنته من الأبواب.
  8. ليكن هدفك عند التعريف اللغوي بيان تدرج معنى اللفظ حتى وصوله إلى المعنى الاصطلاحي لا أكثر.
  9. بعض المعاجم كتاج العروس تذكر المعاني الاصطلاحية للفظ فانتبه أن تنقلها على أنها تعريفات لغوية، بل هي اصطلاحية وإن وجدت في المعجم.
  10. من الأهمية بمكان عند بيان معنى اللفظ في اصطلاح العلماء بيان معناه قبل ذلك في خطاب الشارع كتابا وسنة.
  11. إذا نقلت من المعجم فاحرص على تشكيل اللفظ المقصود بالبيان لتفريقه عن مشتقاته.
  12. لا تضع مسافة (Space) قبل علامات الترقيم والتنصيص بل ألصقها بالنص الذي يسبقها من دون مسافة بينهما، وأما واو العطف فبالعكس أبعدها عما قبلها بمسافة وألصقها بما بعدها دون مسافة.
  13. في الحاشية رتّب كتب المذاهب عند التوثيق تاريخيا إلا إذا نقلت بالنص من أحد تلك الكتب فاذكره أولا ثم رتب ما بعده تاريخيا بعد قولك: "وينظر".
  14. إذا نقلت بالمعنى فلا تضع علامتي التنصيص، وإذا نقلت باللفظ فضع علامتي التنصيص.
  15. إذا نقلت بالمعنى من مرجع ما فلا داعي لأن تقول "انظر" أو "ينظر" في الحاشية، لأن رفع علامتي التنصيص يفيد أن الكلام منقول بالمعنى.
  16. "ينظر" بالبناء للمجهول أفضل من "انظر"، ويجادل بعضهم في هذا التفريق، والخَطب يسير.
  17. استخدم "ينظر" في العزو عندما تريد لفت نظر القارئ إلى مراجع معززة للفكرة أو متوسعة فيها أو في أدلتها، وإلا فلاحاجة لكتابتها لمجرد التوثيق بالمعنى، لأن رفع علامتي التنصيص يفيد وحده أنك تنقل بالمعنى او بتصرف.
  18. لا تقل أجمعوا أو اتفقوا إلا نقلا عن أهل النقل في ذلك (مثل ابن المنذر وابن عبد البر وابن قدامة والنووي وغيرهم).
  19. كتب الشروح والحواشي هي ثلاثة كتب لا كتاب واحد، فانتبه عند العزو لا تعزو لأحد تلك الكتب ما ليس فيه، وإذا أخذت منها جميعا فاذكرها ثلاثة باستقلال بعضها عن بعض في ثبت المراجع.
  20. عند نقل الحديث وتوثيقه بيِّن لمن اللفظ من الكتب التي نقلت منها.
  21. وثّق الآية في المتن لا في الحاشية. هذا هو العرف الغالب، وهو أفضل من التوثيق في الحاشية.
  22. انتبه عند النقل من الشاملة إلى تعدُّد الطبعات. انقل من طبعة واحدة واثبت على ذلك في البحث كله ولا تستعمل طبعة أخرى إلا لغرض، مع الإشارة إلى ذلك عند التوثيق من الطبعة غير المعهودة.
  23. شكّل الكلمات الملتبسة فقط، أي التي يظن خطأ القارئ في قراءتها، أو التي يتغير المعنى بحسب حركة آخرها أو أحد حروفها، وإياك أن تنقل من الشاملة أو غيرها بالتشكيل الكامل (إلا النص القرآني) فإن هذا معيب ومزعج في النظر فضلا عن الأخطاء التي يشتمل عليها.
  24. كتاب ابن فارس اسمه مقاييس اللغة وليس معجم مقاييس اللغة كما هو مثبت في الشاملة.
  25. إذا امتد الكلام المنقول على أكثر من فقرة ولم يكن نقلا بالنص بل بالمعنى أو بتصرف فوثِّق كل فقرة على حدتها، وقُل عند توثيق الفقرات التالية للفقرة الأولى "المرجع السابق"، ولا تكتف بتوثيق الفقرة الأخيرة، فيظن القارئ أن المنقول فقط هو الفقرة الأخيرة وحدها.
  26. إذا ذكرت قولا ونسبته لمذهب من المذاهب وكان في المذهب قول غيره فبين ذلك وتأكد بأن المنقول هو معتمد المذهب من الكتب التي اعتنت بنقل المعتمد من كتب المتأخرين في كل مذهب.
  27. اذكر تاريخ وفاة الشخص الذي تنقل قوله عقب اسمه مباشرة ولاسيما عندما تذكره أول مرة.
  28. انتبه بأن اسم الشهرة للعالم ليس بالضرورة يقع في آخر اسمه في كتب التراجم أو كما هو مكتوب على عنوان الكتاب. مثلا الإمام مسلم صاحب الصحيح، اسم شهرته مسلم وليس النيسابوري، والإمام مالك اسم شهرته مالك وليس الأصبحي. إذا خفي عليك اسم الشهرة فانظر إلى غيرك من الباحثين كيف يوثقون الاسم. استعن بمشرفك أو بجوجل.
  29. لا تذكر ألقاب التفخيم مثل: الإمام والعلامة والألقاب الأكاديمية مثل الدكتور في توثيق المرجع، ولك أن تذكر ذلك في المتن، لكن لا في بيانات التوثيق.
  30. إذا كنت تذكر اسم الكتاب عند التوثيق في الحاشية بعد اسم المؤلف، كما هو المعتاد في توثيق الدراسات الشرعية في أكثر الجامعات، فلا داعي لأن تكتبه (أي اسم الكتاب) في متن البحث تجنبا للتكرار، فمثلا: لا تقل في متن البحث: قال النووي في المجموع كذا وكذا، ما دمت ستوثق القول في الحاشية بقولك: النووي، المجموع، ثم رقم الجزء والصفحة.
  31. النقل باللفظ أفضل وأدق من النقل بالمعنى، ولا ينبغي اللجوء إلى النقل بالمعنى إلا لغرض كالاختصار.
  32. في غير الدراسات الحديثية إذا وجد الحديث في الصحيحين أو أحدهما فلا داعي لذكر غيرها من الكتب الحديثية إلا لغرض كلفظة مذكورة في الحديث لم توجد في الصحيحين بل في غيرهما.
  33. عندما تنقل كلاما لعالم عن كتاب تأكد أن الكلام المنقول هو للعالم نفسه لا أنه ينقله عن غيره، أو يذكره في معرض بيان حجج الخصوم لا في معرض بيان حججه هو، أو في أثناء رده على حجج الخصوم.
  34. قال القرافي: كل فقه لم يُخرَّج على القواعد فليس بشيء، لذلك فإن كل رأي أو ترجيح يذكره الباحث دون بيان دليله ووجهه فلا قيمة له.
  35. حافظ على توازن الفصول من حيث الحجم إن أمكن، بما لا يؤثر في التقسيم المنطقي لمحتوى البحث، وإلا فلا تعبأ بالتوازن، لأن تقسيم البحث يخضع لاعتبارات الواقع فقد يكون أحد الأقسام واضحًا فيقل فيه الكلام، وغيره مشكلا فيطول بحثه. واعتبر ذلك بأبواب الفقه ففيها الطويل جدا والقصير جدا.
  36. من المفروض أن يكون الفصل التمهيدي أقصرَ فصل في فصول البحث.
  37. من أكبر عيوب البحوث الاستطراد في غير مشكلة البحث، ويغلب أن يكون ذلك بسبب عدم وضوح مشكلة البحث لدى الباحث أو عدم استحضارها في أثناء البحث.
  38. ما لا يشتمل على إضافة علمية معقولة لم يُسبق إليها (تحليلا أو بناء أو نقدا) لا يُسمى بحثا، وإنما قد يكون جمعا وتأليفا أو مجرد تدريب على البحث.
  39. ما كانت الإضافة فيه إلى ما سبق محصورةً بجمع ما تفرق أو إعادة ترتيب ما تبعثر أو تسهيل ما كتبه السابقون وتيسيره لغة وعرضا أو اختصاره، فهذا تأليف أو تصنيف وليس بحثا بالمعنى الحقيقي للبحث.
  40. توسع في بحث القضايا التي لم يطرقها غيرك من الباحثين قدماء ومعاصرين، واوجز في عرض ما توسَّعوا فيه عرضًا وبحثًا.
  41. ينبغي أن يتسم الباحث بالموضوعية والإنصاف وأن ينعكس ذلك في لغة البحث وطريقة عرضه، وفي القضايا محل الاجتهاد يقبح بالباحث أن يظهر من عنوان بحثه أو مقدمته كونه جازما بنتيجة البحث، وأنه إنما يسوق ما يسوق من البحث تأكيدا لما استقر عنده سلفا وردا على المخالفين. وهذا كثير في المؤلفات الشرعية، وله وجه ذكرناه هنا، لكنه قبيح في البحوث الاكاديمية في القضايا الاجتهادية.
  42. أعظم الجهاد في البحث هو جهاد النفس الباحثة حتى لا تتحيّز للأفكار قبل النظر في دلائلها. ولو قلنا بأن 1% من الباحثين فقط لا يتحيز للفكرة قبل بحثها لكان هذا كثيرا.
  43. ليس من الضروري استيفاء أدلة الرأي المخالف في البحث، بل ينبغي الإعراض عن االواهي والساقط منها كالاستدلال بحديث موضوع مثلا، وإن كان ثم حاجة لبيان استدلال واهٍ، لشهرته مثلا، فيُذكر في الحاشية.
  44. ملخّص البحث ومقدمته وخاتمته وفهرسه هي أهم أجزائه وهي أول ما يقع عليه نظر القُرّاء للبحث فينبغي أن تحظى بعناية الباحث الفائقة شكلا ومضمونا، وأن يشرع في تدوين مسوداتها مع تطور البحث شيئا فشيئا، لا ان تترك كتابتها بالكلية إلى الآخر عندما تكل همة الباحث ويضيق عليه الوقت فيسلقها سلقا.
  45. ملخّص البحث ينبغي أن يشتمل على هدفه الرئيس ونتيجته الرئيسة وأهم توصياته إن وجدت، ولا حاجة لسرد فصوله ومباحثه، وإن تعرض لها فجملة ولا يشير إلى كونها مباحث او فصولا.
  46. عند عرض نتائج البحث في الخاتمة اذكر فقط ما كانت لك فيه بصمة وإضافة لا ما هو معروف وتحصيل حاصل، فالخاتمة ليست اختصارا للبحث بل عرضا لما وصلت إليه أنت بنفسك، وما تحب أن تلفت نظر الآخرين للوصول إليه مما لم يسعفك البحث للوصول إليه.
  47. الإيجاز ثم الإيجاز ثم الإيجاز هو البلاغة، وهو من أقوى ما يدعو إلى قراءة البحث ويقلل الأخطاء فيه، فمن كثر كلامه كثر خطؤه، وملّه القارئ.
  48. احرص كثيرًا قبل نشر البحث على أن يقرأ بحثك مختصٌّ يسعفك بملاحظاته.
  49. إذا كان نحوُك ضعيفًا أو وسطًا فعرضُك البحث على مدقِّق لغوي قبل نشره من قبيل الواجب عليك لا المندوب.
  50. مهارتك في البحث تعتمد على اتساعك في القراءة، فالباحث الجيد هو بالضرورة قارئ ممتاز. أما الباحث الممتاز فهو حتمًا قارئ غير عادي.
  51. أفضل ما يحسِّن مستواك في البحث أن تمارس الكتابة باستمرار (كل يوم)، ولكن لا تحرص على نشر جميع ما تكتب.
  52. عندما تكتب اعتزل المشتتات لا وسائل التواصل والموبايل فحسب بل كل ما يشغل قلبك بغير الكتابة والتفكير فيها. إذا لم تفعل هذا لمدد طويلة ومتواصلة فلن تكتب شيئا عميقا ذا بال بل هو سقط المتاع وهذر كأكثر ما يكتبه غير المحترفين.
  53. حُسن الاقتباس من أهم مواصفات الباحث المطلع النبيه. وحسن الاقتباس يحصل نتيجة لعدد من المعايير أهمها: عدم شهرة الاقتباس وعزتّه، وملائمته لما قبله وبعده من الكلام كأنه جزء منه، ومنزلة "المقتبس عنه" في العلم.
  54. إذا كان بحثك سيرسل للتحكيم أو يخضع للمناقشة فلا تجعله خاليا من بعض العيوب الشكلية اليسيرة التي يمكن إصلاحها بيسر، والسبب هو أن أكثر الحكام والمناقشين إذا لم يجد عيبا في البحث اخترع له عيوبا وصار يعترض على البحث اعتراضات معنوية تؤثر في جوهره ويعسر على الباحث الوفاء بها إما لأنها خطأ أصلا أو مجرد وجهة نظر للحكم لا يستسيغها الباحث. ولكن إذا وُجدت في البحث بعض العيوب الشكلية اليسيرة تشاغل أكثر الحكام بها واكتفوا عن تكلف غيرها.
  55. من أفضل ما يعين على فهم المسألة محل البحث والوصول إلى نتيجة جيدة فيها تعقبها تاريخيا وتتبع مراحل نموها وتطورها منذ النشأة حتى الوقت الحاضر. وهذا المنهج التاريخي، على أهميته في دراسة المسائل، من اكثر المناهج غيابا عن الدراسات الشرعية للأسف. وممن أبدعوا في تطبيقه الدكتور محمد مصطفى شلبي في كتابه: تعليل الأحكام.
  56. من الأخطاء التي يقع فيها المبتدئون في البحث والكتابة أنهم يقرنون بين الكتابة والانشغال بالتنسيق والتوثيق والتحرير والمراجعة للمكتوب في الوقت نفسه. والصواب إرجاء كل ما عدا الكتابة إلى حين الانتهاء من إفراغ كل ما في الذهن من الأفكار المتداعية في الموضوع. إذا شغّلت العقل المبدع فأقفل العقل المحرِّر.
  57. ومن أخطائهم أيضا المزامنة بين المطالعة والبدء بكتابة مسودة التأليف فصلا ففصلا. والصواب ألا يُبدأ بالكتابة إلا: 1.بعد حصول قدر كاف من المطالعة محيطٍ بالموضوع، 2.وبعد تقييد الاقتباسات والأفكار المنقدحة أثناء المطالعة وفي أوقات التجلي، 3.وتجميع كل ذلك وتصنيفه 4.ثم مراجعته.
  58. إذا أردت أن تكون كاتبا جيدا:1.فاقرأ. 2.ثم قيِّد الفوائد وسوانح الأفكار. 3.ثم رتب ما قيدته في مكان آمن. 4. ثم راجعه على فترات. 5.ثم اكتب (وحينئذ ستجد أن الكتابة تتدفق من رأسك كالماء المنصبّ). 6.ثم أخيرا حرِّر ونسِّق. وبغير هذا كله لن تكون كاتبا بل إما ناقلا أو سارقا.
  59. كثرة المطالعة مهمة جدا للباحث الجيد كأهمية الوقود للمحرك، ولكنها ليست هي فقط ما يميز باحثا عن باحث؛ إذ أهم منها المنهج الذي يتبعه الباحث في جتي ثمرات القراءة والمطالعة، وأعني بذلك أسلوبه في تقييد الفوائد وتصنيفها وربط بعضها ببعض وتأمله فيها، والنظام الذي يتبعه في مراجعتها أولا بأول.
  60. أهم معوّقات البحث والكتابة العلمية، من الأقوى إلى الأضعف: 1. ضعف التأسيس العلمي في التخصص 2. الجهل بطرائق البحث والكتابة 3. دنو الهمة أو فتورها 4. عدم الجَلَد على القراءة وتقييد الفوائد 5. كثرة الشواغل وانعدام التركيز 6. الخوف من النقد 7. النزوع نحو الكمالية 8. ضعف موهبة التعبير.

    آخر تعديل 1 مايو 2021

الجمعة، 12 أبريل 2019

ذكر نتيجة البحث في عنوانه أو مقدّمته هل يتنافى مع الموضوعية في البحث؟


الحمد لله والصّلاة والسّلام على رسول الله، وآله، ومن والاه، وبعد:

فيعترض كثير من دارسي أدبيات البحث العلمي ومناهجه على بعض الكتب أو الرسائل أو المقالات أو الأوراق المنشورة أو المقدّمة للنشر بأنها تفتقر إلى الموضوعية والحياد، ويعلِّلون ذلك بأنّ نتيجة البحث مذكورة في عنوان المؤلَّف (الكتاب أو الرسالة أو المقال أو الورقة ...الخ)، أو أن الباحث صرّح في مقدمة مؤلَّفه أو في أهدافه أن ما يكتبه مسوق بقصد إثبات هذه النظرية (الرأي أو القول)، أو تفنيد تلك النظرية (الرأي أو القول)، وهذا يدل على أن نتيجة البحث متبناة لديه سلفًا.

وهذا الاعتراض ليس في مكانه، ولو طُبِّق على مصنّفات القدماء من علماء الإسلام، بل والمعاصرين، لَحَكم على معظمها بعدم الموضوعية وعدم الإنصاف، لأنّ أكثرها إلا ما ندر يتبين منه القارئ نتيجة البحث من عنوانه أو مقدّمته.

وسبب خطأ هؤلاء المعترضين هو أنهم لم يميزوا بين مرحلتين متمايزتين من مراحل الإنتاج العلمي: مرحلة البحث نفسه، ثم مرحلة صياغة البحث (التأليف) لتقديمه للنشر. وبين المرحلتين فرق كبير:

إذ هدف المرحلة الأولى (التي هي البحث) هو حلّ إشكاليّة البحث والوصول إلى نتيجة، كشفا، أو إثباتًا، أو نفيًا، أو تفصيلًا، وعادة ما تشتمل هذه المرحلة على مسوَّدات أوليّة للبحث أو لأجزاء منه.

وأما هدف المرحلة النهائيّة (التي هي التأليف) فهو عرْض البحث للقارئ بأفضل ما يمكن من ترتيب وبيان لإيقافه على نتيجة البحث وما انبنت عليه من أدلّة. وهي المرحلة التي تُكتب فيها النسخة النهائية من البحث بما يشمل مقدماتِه وخواتيمَه، وفيها يستقرّ المؤلِّف على أفضل عنوان يمثِّل مؤلَّفه، الذي قد يكون موافقًا لعنوان البحث عند الشروع فيه، أو مخالفًا له على وجه من الوجوه.

فمثلا قد يكون «مشروع البحث» معنونًا بـ «الحكم الشرعي للمظاهرات السلمية»، وبعد البحث والتفتيش في الأدلة وإعمال النظر فيها، يتبين للباحث أن الحكم هو المشروعيّة مثلا، أو التحريم، أو التفصيل بين حال وآخر، فيُعنون مؤلَّفه في المرحلة النهائية (مرحلة التأليف) بـ «مشروعية المظاهرات في الإسلام»، أو «حرمة المظاهرات في الإسلام»، أو «حرمة التظاهر ضد الإمام العادل» ...، وغير ذلك مما يمكن أن يكون وصل إليه الباحث نتيجةً للبحث. ولعلّ العنونة بهذه الطريقة التي تُضمَّن فيها النتيجةُ في عنوان المؤلَّف أدقّ وأفضل من العنونة العامّة أو المجملة التي كانت عند الشروع في البحث، لأنّ هذه العنونة الخاصة توقف القارئ على غرض المؤلَّف ونتيجته بمجرد قراءة العنوان، وهو أمر محمود لا مذموم، وإن كان بعض المؤلفين يتجنبه لأنّه يقلل من التشويق إلى قراءة البحث الذي يسببه الإجمال والغموض، وكذا لأنه يوحي بانحياز الباحث لرأي معين سلفا مع أنه قد لا يكون كذلك في مرحلة البحث.

والحاصل هو أن متطلبات الموضوعية في المرحلة الأولى (البحث) تختلف عن متطلبات الموضوعية في المرحلة النهائية (التأليف)، فالمرحلة الأولى هي التي ينبغي ألا يجزم الباحث فيها بنتيجة بحثه فيها قبل تمامها. ومن هنا لم يكن مقبولًا في عناوين مشاريع البحث وخططه ما يدلّ على أن الباحث قد استقرّ على نتيجة البحث، لأن مثل هذا يصيِّر مشروعَ البحث وخطتَه خطةً للتأليف لا خطةً للبحث. وأما المرحلة النهائية للبحث (التأليف) فليس من متطلبات اتصافها بالموضوعية عدم تقديم النتيجة في عنوان المؤلَّف أو مقدمته أو أهدافه، بل يكفي أن يكون فيها المؤلِّف منصفا في عرض أدلّة الخصوم المعارضين للنتيجة التي وصل إليها، بأن يستوفيها ذكرا في مرحلة العرض كما استوفاها دراسة في مرحلة البحث، وأن يبين الطعون التي وجهوها للأدلة التي تدعم رأيه، من غير تحريف ولا انتقاء ولا تهويل ولا تهوين.

وبالنظر إلى متطلبات الموضوعية في كلّ من هاتين المرحلتين: البحث والتأليف، نجد أن الباحثين/المؤلفين من حيث الموضوعية أربعة:

الأول: موضوعي في البحث موضوعي في العرض:

وهو في أعلى المراتب وأسلمها، وهو الذي يُقبل على الحقائق والأدلة في مسألة البحث من غير نظريات مستقرة لديه ومتبناة سلفًا، ثم في مرحلة العرض يلتزم الإنصاف بعرض ما يؤيِّد النتيجة التي رجّحها وما يعارضها من غير انتقاء ولا تحريف ولا تهويل لفظي للأدلة المؤيدة وأصحابها ولا تهوين لفظي للأدلة المعارضة وأصحابها.

الثاني: موضوعي في البحث متحيِّز في العرض:

وهو أدنى من الذي قبله. وهو الذي عند البحث يتسم بالحياد لكنه إذا وصل إلى النتيجة طار بها، وهوّن من معارضيها ومن أدلتهم، وقدَّم في هذه الأدلّة وأخّر، وحذف وأبقى بما يخدم إظهار رأيه في أعلى مراتب القوة، ورأي غيره في أدنى مراتب الضعف، بينما الأمر في الحقيقة ليس كذلك، بل قد يكون الرأيان متقاربين متناطحين.

الثالث: متحيِّز في البحث متحيِّز في العرض:

وهو من يبحث لإثبات نتائج متبناة لديه سلفًا ونظريات مستقرة في رأسه، فهذا في الحقيقة ليس باحثًا وإنما مسوِّق أو مروِّج، يهدف إلى الإقناع لا إلى عرض الحقائق كما هي، فهو مؤلّف أو جامع للأدلة المؤيدة لرأيه لا أكثر، متغافل عن أدلة خصومه في الرأي ومعارضيه أو مشوّه لها انتقاء وتحريفًا وتهوينًا.

الرابع: متحيِّز في البحث موضوعي في العرض:

وهو شر الباحثين، هذا إن صّح وصفه بالباحث، لأنّه يوهم القارئ بأنه موضوعي مهتم بالوصول إلى الحقائق مع أنه مجرّد مسوِّق وبائع للرأي، لكنه يأبى أن يظهر في صورة المسوّق ومندوب المبيعات لأن الناس عادة يفترضون بالمسوقين قلة الإنصاف والتحيُّز، فلا يأخذون كلامهم على محمل الجدّ، فلذلك يتحايل صاحبنا بأن يبدو في عرضه لرأيه على أنه نتيجة بحث وصل إليها بطريقة منهجية سليمة، كما يُظهر أنه استوفى النُّقود التي توجهت على النتيجة التي يتبناها والأدلة المعارضة لها بينما هو ليس كذلك، ويغلِّف كلامه بشيء من الثناء على خصومه في الرأي وبيان فضائلهم، وربما سلَّم ببعض نقودهم أو أدلتهم بما لا يؤثر كثيرًا في الرأي الذي يتبناه ويريد الترويج له.

الأربعاء، 3 أبريل 2019

20 موضوعا مقترحا للبحوث والرسائل العلمية في الفقه وأصوله

1. تقسيمات القياس وأنواعه عند الأصوليين

2.أصول الفقه في عهد التابعين: دراسة استقرائية في كتب الآثار

3. أصول الفقه عند سفيان الثوري

4. تجديد أصول الفقه عند مصطفى الزلمي

5. التعليل بالاسم: دراسة تطبيقية في فقه الشافعية

6. الإصلاح الأسري: دراسة في الضوابط الفقهية والأساليب التربوية

7. التجديد في الفقه وأصوله عند الزحيلي

8. اختلاف رواية أحاديث الوقائع النبوية وأثره في الفقه

9. شروط الاجتهاد بين التيسير والتعسير

10. تعارض الأحاديث وأثره في اختلاف الفقهاء: دراسة استقرائية على كتاب بداية المجتهد

11. تعارض اللفظ والمعنى وأثره في اختلاف الفقهاء: دراسة استقرائية على كتاب بداية المجتهد

12. الأحاديث صحيحة الإسناد التي اتفق الفقهاء الأربعة على عدم العمل بها: جمع ودراسة

13. الاحتجاج بقول التابعي في مذهب أحمد: دراسة استقرائية

14. قاعدة الأخذ بما ينطلق عليه الاسم وأثرها في الفقه

15. الخلاف الأصولي: (أسبابه، ومناهج الوقوف على حقيقته)

16. قادح كسر العلة وتطبيقاته في الاجتهادات المعاصرة

17. الأحكام الفقهية المتعلقة بطرق تخسيس الوزن

18. تحرير محل النزاع في مسائل أصول الفقه: دراسة استقرائية

19. أنماط البحث الأصولي المعاصر

20. تعارض المفهوم مع المنطوق وتطبيقاته الفقهية


الخميس، 30 ديسمبر 2010

الموسوعة الأصولية الإلكترونية - الإصدار الأول

برنامج كمبيوتري مجاني يتميز بما يلي:

1. يضم أشمل وأوسع وأدق قاعدة بيانات لنصوص ومسائل أصول الفقه من الكتب التراثية والكتب المعاصرة

2. لا يكتفي البرنامج بعرض النصوص الأصولية كمواد صلدة كما هي في الكتب، وفي الموسوعات الأخرى (الشاملة مثلا)، بل يقوم على دراسة تحليلة دقيقة للنصوص الأصولية في كتب الأصول المختلفة وفهرسة شاملة لها وفقا لعناصر جزئية في التحليل، ومن هذه العناصر التي تتحلل لها النصوص:

المفاهيم والمصطلحات
أسماء العلماء والأصوليين
عناوين المسائل
الأحاديث
الآيات
الآثار
الاقتباسات
أسماء الكتب المذكورة في النصوص
الأمثلة الفقهية (الفروع)
الضوابط والقواعد

3. التحليل والفهرسة يمكنان البرنامج من التفنن في عرض المادة الأصولية فبنقرة زر واحدة يستطيع المستخدم عرض (وطبع) كل ما ورد في كتب الأصول (مرتبة حسب المذهب أو تاريخ الوفاة..الخ) في مسألة معينة (مثلا: دلالة الأمر بعد الحظر)، مع ملاحظة أن عملية التحليل ستوقف المستخدم على العنصر التحليلي ـ وهو عنوان المسألة هنا ـ في كل كتاب أينما وردت بغض النظر عن الألفاظ التي استعملها المؤلف، والتي قد تختلف من مؤلف لآخر، وكذا بغض النظر عن المكان الذي بحثها فيه المؤلف، وذلك لأنه في أثناء عملية التحليل النصية تم توحيد جميع عناوين المسائل في كتب الأصول (سواء أكانت معنونة في النص الأصلي أم لا). وبنقرة زر واحدة يستطيع المستخدم عرض المسائل التي ذكر فيها اسم عالم معين (مثلا: الصيرفي) بغض النظر عن الطريقة التي ذكر فيها اسمه في الكتاب الأصلي. وقُل مثل ذلك في باقي عناصر التحليل التي ذكرت في النقطة السابقة.

4. تتميز “عناصر التحليل النصي” في البرنامج بألوان متتميزة وارتباطات تشعيبية، بحيث يمكنك في أثناء مطالعة مسألة ما النقر على مصطلح ما ورد فيها تريد معلومات إضافية عنه، فيعرض لك البرنامج في شاشة مستقلة كل المواطن التي عُرِّف فيها هذا المصطلح في كتب الأصول التي يضمها البرنامج.

5. يشتمل البرنامج بالطبع على خدمات البحث النصي وتصفح المسائل والربط بالنسخ المصورة وغير ذلك من الخدمات التي توفرها المكتبة الشاملة.

6. في الإصدار الثاني للبرنامج سوف يقوم القائمون على البرنامج بضم وتحليل النصوص الأصولية الموجودة في الكتب غير الأصولية أساسا ككتب التفسير وشروح الحديث والفقه المقارن.