أستاذ الفقه وأصوله

أستاذ الفقه وأصوله
كلية الشريعة
جامعة قطر
‏إظهار الرسائل ذات التسميات عام. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات عام. إظهار كافة الرسائل

الأحد، 9 مايو 2021

الفقيه ومعركة القرآن



مُعظم القرآن صراعٌ بين الحقّ والباطل، بين الإيمان والكفر، بين الأنبياء من جهة والكافرين والمنافقين في الجهة المقابلة. هذي هي معركة القرآن وقضيته الكبرى: تقرير الوحدانية، وتصحيح أصول الاعتقاد: الخلق، البعث واليوم الآخر، التنزيه، الصفات العلى، والأسماء الحسنى.

أمّا الأحكام التشريعية العَمَليّة فَلَمْ يُكثر القرآن من تناولها، إذ بلغت آياتها مائة وخمسين فقط من نحو ستة آلاف ومائتي آية عدد آي القرآن، وأوصلها بعضهم إلى خمسمائة آية، وهي، على هذا العدد، لا تزيد نسبتها في القرآن عن 8% من مجموع آياته.

على أن تناول القرآن للأحكام في تلك الآيات غالبه كليٌّ إجمالي لا يتعمّق في التفاصيل، كالأمر بالصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد وتحريم القتل والخمر والميسر والزنا والربا وتطفيف الميزان ونحو ذلك.

وهذا التناول القرآني المقتضب والمجمل للأحكام يجعل معظم القرآن بعيدًا عن همّ الفقيه وشغله الشاغل، لأن شغل الفقيه إذا كان مجتهدا هو استنباط الأحكام العملية المظنونة التي تحتاج إلى نظر واجتهاد أو الموازنة بين ما استنبطه السابقون منها، وبيان ما يدعم هذا الاستنباط أو الاختيار من أدلة المنقول والمعقول، والرّدّ على ما يَرِد على هذا الاستنباط أو الاختيار من اعتراضات المجتهدين الآخرين الذين قد يخالفونه الرأي. وأما "الفقيه" المقلِّد فشغلُه الشاغل حفظ استنباطات واختيارات مَتبوعه، وتعزيز الاستدلال لها والجدال عنها ونشرها: تعليمًا وتأليفًا وإفتاءً.

ومن ثَمّ يمكن القول إنّ معركة الفقيه، مجتهدًا ومقلِّدًا، ليست هي معركة القرآن، معركة القرآن في العقائد والتصورات، ثم بدرجة أدنى، في القطعيات من الأحكام العَمَليّة. وأمّا معركة الفقيه ففي مُغَلّبات الظّنون من الأحكام العمليّة التفصيليّة. تلك الاحكام التي اختلف الأصوليّون هل الحقّ فيها واحد والمخطئ معذور، أو كلّ مجتهد فيها مصيب، ولأجل ذلك هوَّن من الاشتغال بها ابن الوزير (ت849هـ) رحمه الله بقوله: «‌الخوض ‌في ‌المسائل ‌الظنية الفروعية على جهة المنازعة في بيان المُحق من المُبطل لا يشتغل به مُحصِّل، لأنّ الأمر قريب فيما كلٌّ فيه مُسامَحٌ أو مُصيب». (العواصم والقواصم 3/ 6).

وإذا أراد الفقيه أن يتفاعل مع قضايا القرآن الكبرى وينخرط في جند معركته – ولا بد له من ذلك لأن هذا هو المفروض في كلّ عالم ربّاني - فليحذر من التمادي مع الفقه (الفروعي) إلى درجة يشغله هذا التمادي عن فضيلة الجهاد المعرفي والبياني في قضايا الدين والقرآن الكبرى.

وعليه أن يهتمّ بـ"الفقه في الدين" بالمعنى الشرعي الوارد في الكتاب والسنة، الذي سار عليه الأوّلون من علماء الصحابة والتابعين ومن بعدهم في خير القرون، الذي يجعل "الفقه" شاملا للعلم بالأصول والفروع، والقضايا العلمية والعملية معًا، وليس ذاك القاصر على العلم بالأحكام الفرعية التفصيلية الظنية عن اجتهاد أو تقليد، كما آل إليه معنى "الفقه" عند المتأخّرين.

وحتى في مجال الأحكام العمليّة فعلى الفقيه أن يقترب أكثر من معركة القرآن، وذلك بأن لا تقتصر دراسته على تناول الأحكام الظنيّة والتعليل الجزئي القياسي، بل يتناول بالدراسة والبحث والتعليم والدعوة قضايا القطع من مسائل الأحكام ومقاصد الشريعة، ببيان وجاهتها وفاعليتها في التطبيق وكيف أنّ امتثالها يؤدّي إلى انتظام مصالح الخلق على صعيد الفرد والأسرة والدولة والعالم، وينافح عن هذه الأحكام والمقاصد في وجه النظريات التشريعية والاخلاقية التي تتبناها شرائع وقوانين وأعراف غير المسلمين شرقًا وغربًا، على نحو ما يوجد في الكتب التي تُعنى بالمقارانات التشريعية بين الفقه الإسلامي والقوانين الوضعية، والتي عادة ما يخوض فيها قانونيون ذوو خلفيات فقهية عامّة، ولا تلقى عناية كافية من الفقهاء.

آن الآوان للفقيه المعاصر أن يخرج من برجه العاجي الذي يعزله عن قضايا القرآن: قضايا الحق والباطل، قضايا الكفر والإيمان، ويتخفَّف من معاركه الجدليّة في ذلك البرج مع طواحين الهواء التي يواجه فيها غيره من إخوانه الفقهاء المسلمين ليباشر المعارك التشريعية الحقيقيّة التي يقارع فيها أهل الكفر والإلحاد وأصحاب النظريات الوضعية والمادية من فلاسفة القانون والأخلاق والاجتماع والاقتصاد.

وهذا الانزياح الحادّ في طريقة قيام الفقيه بواجبه في حق "الفقه" و"العلم"، يحتاج منه أن يوسِّع في أدواته ومناهجه البحثية، فتصبح دراسة أصول القانون وفلسفته جزءًا من مؤهّلاته لا أصول الفقه وعلوم اللغة فحسب، ويغدو التسلّح بمناهج العلوم الاجتماعية في البحث والاستنتاج من أهمّ الأدوات التي تؤهِّله للقيام بواجبه. وبذلك يكون مشاركًا، مع إخوانه من علماء العقيدة والدعوة والفكر، في معركة القرآن، لا واقفًا منها على الحياد، أو جالسا في مقاعد "المتفرجين"، كما هو الواقع الآن في حال أكثر الفقهاء.

الخميس، 30 ديسمبر 2010

الطريق إلى الألفة الإسلامية-هذا الكتاب صدمني

انطباعي عن نفسي أني معتدل جدا، وموضوعي في النظر، ربما أكثر مما ينبغي، ومتسامح مع المخالف إلى حد الإسراف تهاوى بعد قراءتي هذا الكتاب: "في الطريق إلى الألفة الإسلامية: محاولة تأصيلية ورؤية جديدة" لعبد الفتاح اليافعي.
تشاء الأقدار أن أقرأ هذا الكتاب بعد كتاب د. بكار: "فصول في التفكير الموضوعي"، وفي نفس الأسبوع.
ومع أن كتاب د. بكار يحظى بسمعة واسعة في الأوساط العلمية إلا أنه لم يشف غليلي، ربما لأنه يستهدف غير المتخصص بالأساس، فكان أن عَدَّلَ مِزاجي، وحوَّل خيبة أملي إلى انتعاش ونشوة، ثم بعد ذلك إلى صدمة فكرية، كتابُ اليافعي.
وهذه أفكار عابرة عن الكتاب:
- الكاتب تجاوز فكرة "التقريب" غير الواقعية التي يدندن حولها كثيرون ليعرض فكرة أخرى تتمثل في "التأليف".
في "التأليف"، لا يوجد تنازل عن الأفكار والمبادئ، والتصالح حول حلول وسط كما في "التقريب" بل هو يقوم على أسس ثلاثة:

1.   تصحيح التصور عن المخالف،

2.   وتصحيح الحكم على المخالف،

3.   وتصحيح معاملة المخالف.

وقد دلَّل المؤلف لكل، وعرض لكل، ومَثَّل لكل، سلبا وإيجابا، في تاريخنا الإسلامي الثري بالحلو والمرّ.
- الكتاب مُسرف في النقول، وربما هذا هو سر قوته وتأثيره وسحره، لا سيما وهي نقول مختارة بعناية ومتنوعة ومن كل حدب وصوب.
- في الكتاب أخطاء طباعية غير قليلة، ونصوص غير موثقة كما ينبغي، وقضايا ما تزال بحاجة إلى تأصيل.
- الكتاب غاية في التفكير والتعامل الموضوعي مع المخالف، لذلك فإني أقدمه على كتاب بكار لا سيما للمشتغل بالعلوم الشرعية.
- لو كان لي من الأمر شيء لفرضت قراءة هذا الكتاب على كل طالب علم شرعي وكل باحث في علوم الشرع.
- حمل الكتاب من هنا،
ثم عليك به تربت يداك، وقُل لي: هل أحْدَثَ لديك شيئا