أستاذ الفقه وأصوله

أستاذ الفقه وأصوله
كلية الشريعة
جامعة قطر
‏إظهار الرسائل ذات التسميات فقه. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات فقه. إظهار كافة الرسائل

الأربعاء، 19 أبريل 2023

ثبوت الشهر بالرؤية أو الحساب بين الاعتداد باللفظ أوالمعنى

 


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله ومن والاه، وبعد:

 فمسألة ثبوت الشهر بالرؤية أو الحساب هي من المسائل الطبولية التي يتكرر الكلام فيها كثيرا ويشتد فيها الخلاف ويطول فيها الجدال.

 وهي من المسائل التي يدور الخلاف فيها على اعتبار اللفظ أو المعنى. ولطالما كان هذا السبب (أعني اعتبار اللفظ أو المعنى) مثارا للنزاع في المسائل بين الفقهاء قديما وحديثا. (يُنظر كتاب أهل الألفاظ وأهل المعاني: دراسة في تاريخ الفقه).

 وهي في ذلك مثل مسألة زكاة الفطر هل تُقصر على الطعام أو تجوز بالقيمة.

 ومثل مسألة فرض الدية على العاقلة هل هو مقصود لذاته أو لمعنى التناصر في العاقلة فيمكن نقله إلى غيرها، كأهل الديوان مثلا، على ما قاله الحنفية.

 ومثل مسألة إعطاء المؤلفة قلوبهم من الزكاة هل هو لمجرد التأليف والتحبيب في الإسلام، أو لمعنى ضعف الإسلام وقت إعطائهم وحاجة الدولة إليهم.

 فكل هذه المسائل، وكثيرٌ مثلها، اختلف فيه الفقهاء قديما وحديثا ما بين دائر مع اللفظ، ودائر مع ما يظنّه المعنى والمقصود.

 ومن المسائل المعاصرة الشبيهة بمسألة الرؤية والحساب إلى حد بعيد مسألة نفي النسب باللعان هل يجوز مع القطع (عن طريق فحص البصمة الوراثية) بكون الولد من الملاعن أو لا. فالدائر مع اللفظ (ومع أقوال الفقهاء القدماء) يقول بنفي النسب حتى لوثبت بالفحص أن الولد مخلوق من ماء الملاعن، والقائل بالمعنى وأن اللعان إنما شرع لنفي النسب عندما لم تكن هناك وسيلة متيسرة للتحقق من البعضية والجزئية التي هي علة النسب، فلا يجيز اللعان مع ثبوت البعضية بالفحص على وجه القطع.

 وحرف مسألة ثبوت الشهر بالرؤية أو الحساب، هو أن الرؤية المأمور بها في الحديث (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته) هل هي مقصودة لذاتها أو أنها لحكمة التيسير (حيث كانت الأمة أمية زمن النص لا تكتب ولا تحسب، ومن ثم لو كان التعويل إذ ذاك على الحساب لحصل في ذلك مشقة على عموم الناس، فضلا عن اضطراب الحساب وقتئذ وعدم دقته، بل عدم علم أكثر العرب به).

 فالقائل بالرؤية من المعاصرين يرى بأنها مقصودة لذاتها تعبُّدًا، وأنها بذاتها ووحدَها هي علامة دخول الشهر، وأن قوله، صلى الله عليه وسلم: نحن أمة أمية بيان للحال لا إيماء إلى العلة.

 والقائل منهم بالحساب يرى بأن الأمر بالرؤية معلَّل، وأن الرؤية وسيلة لا غاية، وأنها كانت العلامة المتيسرة للجمهور في زمن النص على دخول الشهر بعد تولد الهلال، بقرينة أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا، فرتب عدم القدرة على الجزم بعدد أيام الشهر بالضبط وترددها بين أن تكون ثلاثين أو تسعة وعشرين، على وجود الأمية وعدم المعرفة بالكتابة والحساب. وهي من الطرق الجلية للإيماء إلى العلة التي بني عليها الحكم.

وإذا كان الحكم يدور مع علته وجودا وعدما فزوال الأمية الحسابية عن الأمة في هذه الأعصار على نحو لم يكن من قبل يقضي بأن يُعتد بالحساب الآن، لأنه أيسر من الرؤية وأضبط وأقل إثارة للخلاف، بل هو قطعي بلا نزاع في وقت تولد الهلال لو اعتُمد على ذلك في إثبات دخول الشهر.

 فالحساب عندهم يُقاس على الرؤية بجامع كونه دالًّا مثلها على دخول الشهر وتولد الهلال، ثم هو يحقق حكمتها من التيسير والضبط.

وذلك مثلما قيست القيمة على الطعام في الزكاة بجامع سدها لحاجة الفقير.

ومثلما قيست الأوراق على الأحجار في الاستنجاء بجامع حصول الإنقاء.

ومثلما قيست فرشاة الأسنان والمعجون على السواك بجامع تنظيف الفم والأسنان.

بل مثلما قيست تقديرات مواقيت الصلوات بالساعات والدقائق على حصول علاماتها الفلكية الثابتة بالنصوص.

وأمّا القول – تبعا للقرافي - بأن رؤية العلامات الفلكية لمواقيت الصلوات غير مأمور بها بخلاف رؤية الهلال، فغير دقيق، لأن الله تعالى قال: {حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الأسود من الفجر}، فغيّا بدء الصيام ووقت الصلاة بتبيُّن الخيط الأبيض من الأسود من الفجر، والتبين للخيط الأبيض إنما يكون بالرؤية، ولا فرق بين أن يقول: حتى يتبين لكم الخيط الأبيض، وأن يقول: حتى تروا الخيط الأبيض،  ومما يشير إلى هذا أنه عندما نزلت الآية قال عدي بن حاتم، رضي الله عنه: عمدت إلى عقال أسود وإلى عقال أبيض، فجعلتهما تحت وسادتي، فجعلت أنظر في الليل فلا يستبين لي، فغدوت على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فذكرت له ذلك، فقال: "إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار". (متفق عليه). فانظر إلى قوله "جعلت أنظر فلا يستبين لي"، فأرشده النبي، صلى الله عليه وسلم، إلى النظر في سواد الليل وبياض النهار  لا إلى العقال الأبيض والأسود.

والمعتمد عليه في هذه الأعصار في مواقيت الصلوات هو الحساب بالوقت لا غير، ولا يكاد يوجد أحد يتحرى ويتبين الخيط الأبيض من الأسود كل يوم ليصلي الفجر، بل لو حاوله أحد لما استطاعه بسبب التلوث الضوئي داخل المدن إلا أن يكون في فلاة.

فإن قيل: هناك إجماع قديم على عدم مشروعية الحساب في تحديد بدء دخول الشهر.

فيقال: على فرض التسليم بوجود مثل هذا الإجماع، فإنه إذا كان مبنيا على علة، أو على نص معلل بعلة، فهو كذلك يدور معها كما النص نفسه، ولا يصلح الاستدلال به. فالحساب قديما ولاسيما في عصور السلف وأئمة الاجتهاد لم يكن شائعا شيوعه اليوم ولا كان دقيقا ولا ميسورا، وكان التعويل على الرؤية أدق وأيسر فلا غرو حينئذ أن لم يعول عليه الجماهير، بل أجمعوا على عدم مشروعيته وعلى اعتماد الرؤية جريا مع ظاهر الحديث. أما وقد تغير الحال وصارت الرؤية – مع وجود التلوث الضوئي في عامة المدن – أكثر عسرا وأقل دقة من الحساب، فإنه يحلّ محلها أو على الأقل يُقاس عليها من باب أولى.

 والمصالح الدنيوية التي تنبني على تحديد أوائل الشهور سلفًا بالحساب لسنواتٍ تأتي– كما في الأشهر الميلادية – كثيرةٌ لا تخفى، كترتيب الإجازات والأسفار والحجوزات والرواتب ونحوها، هذا فضلا عما في ذلك من توفير جهود التحري والترقب، وتقليل اختلاف الناس وتنازعهم، بين من يقول باختلاف المطالع وبين من لا يقول بذلك حتى إنك تجد في البلد الواحد، بل وفي البيت الواحد، من يفطر مع أول دولة تعلن الرؤية لأنه مع رأي الجمهور بثبوت الشهر على الجميع برؤية الهلال في بلد من بلاد المسلمين، ومن لا يفطر لأنه يجيز اختلاف المطالع على رأي الشافعي. وتجد في المدن والقرى الحدودية بين البلدان المفطر من هذا البلد والصائم من البلد الآخر  في الجهة الأخرى لأن دولته لم تر الهلال، وما بينهما إلا أمتار أو كيلومترات، وفائدة أخرى لا تقل أهمية عما مضى أن التعويل على الحساب يقطع على السياسيين والحكام تلاعبهم بالمسلمين لمقتضيات السياسة في موافقة بلد ومعارضة آخر.

والله أعلم.

وكتبه أيمن صالح

الثلاثاء، 28 مارس 2023

الفرق بين التمويل الحلال والتمويل الحرام


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وآله، ومن والاه، وبعد:

فالتمويل (دفع المال للغير ليردَّه أو يردّ مثله بعد حين) إما أن يكون بقصد الربح، أو بقصد الثواب (القُربة).

فأمّا التمويل بقصد القربة:

فإن كان بضمان رأس المال فهو القرض الحسن. {فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون}.

وإن كان من غير ضمان رأس المال، فهو الإبضاع، وهو أن تدفع المال للغير ليتّجر به (ليستثمره)، فما كان من ربح فهو للمتّجر به وحده، وما كان من خسارة فمن رأس المال.

وأمّا التمويل بقصد الربح فهو صنفان: محرّم ومباح.

فالمحرّم هو التمويل بربا القروض وهو دفع المال للغير ليردّه بعد أجل بزيادة مشروطة على رأس المال.

وأما المباح من التمويل فثلاثة أصناف لا غير:

الأول: التمويل بالمضاربة، وهي دفع المال للغير ليتّجر به (ليستثمره)، مع اشتراط نسبة شائعة من الربح إن حصل. والفرق بين الحرام (الربا) والحلال (المضاربة) هو أن الربا يُشترط فيه ضمان رأس المال والعائد للمُموِّل، بخلاف المضاربة، فلا ضمان فيها لرأس المال ولا للعائد. وهذه المخاطرة التي في المضاربة هي التي سوَّغت الحصول على الربح مقابل التمويل، وجعلتها تفترق عن الربا الذي يكون رأس المال والعائد فيه مضمونًا بمقتضى العقد.

والصنف الثاني: التمويل بالبيع الآجل. وهو أن يقوم التاجر ببيع سلعة لمن يطلبها على أن يُحسب فيها للزمن قسطٌ من الربح، ولذلك يختلف سعر بيع هذه السلعة حالّة عن بيعها آجلة، فيكون للزمن تأثيرٌ في سعرها. وفي مشروعية هذه الزيادة في ثمن المبيع مقابل التأجيل خلافٌ قديم بين الفقهاء، لكنّه خلاف ضعيف، والراجح الجواز، وهو مذهب الأئمة الأربعة، وإن كان هذا الجواز مصحوبًا بالكراهة عند بعض الفقهاء.

والذي سوّغ الربح (الزيادة مقابل الأجل) في هذه المعاملة مع أنها تشبه الزيادة التي تكون في عقد الربا، حتّى قال الكافرون {إنّما البيع مثل الربا} = هو أنها زيادة تابعة للربح الناشئ عن عقد البيع نفسه، لا زيادة مستقلّة مقصودة لذاتها، أمّا في عقد الربا فهي زيادة مستقلة مقصودة لذاتها، وقد يجوز قصد الشيء تبعًا، ولا يجوز قصده استقلالًا. ومن أمثلة ذلك الإجماع على جواز بيع الشاة الحامل بزيادة عن سعرها ما لو لم تكن حاملًا، ومع ذلك لا يجوز بيع الحمل (الجنين) وحده. فزيادة السعر بسبب الحمل تجوز بالاتفاق رغم جهالة الجنين؛ لأنّ محلّ العقد هو الشاة، والجنين تابع. أمّا بيع الجنين وحده فلا يجوز، لأنّه هو محلّ العقد وفيه جهالة. ويجوز تبعًا ما لا يجوز استقلالًا.

وأما ربح البيع نفسه، سواء أكان بيعًا حالّا أو آجلًا، فمُسوِّغ حصولِ التاجر عليه = الخدمةُ والمخاطرة التي يتحمّلها هذا التاجر؛ إذ هو يشتري السلعة من أسواقها التي قد تكون بعيدة أو مجهولة، بعد البحث عن أرخص ما تُباع به، ثم يتحمّل ما يحدث لها بعد شرائه لها من تلف أو فساد، وكذلك يتحمّل عبء نقلها وحفظها وتخزينها إلى حين بيعها، ويتحمّل ما يطرأ على سعرها من تقلبات؛ إذ قد ينزل سعرها فيخسر، أو يرتفع فيربح، ثمّ هو يكون موضعًا للمساءلة بعد بيعها فيما لو وَجد المشتري فيها عيبًا. فلكلّ ذلك من جهود وخدمات ومخاطرات يحلُّ له الربح؛ لأنه يقدِّم مقابلًا له، وقيمةً اقتصادية مضافة، وبهذا هو لا يشبه المرابي الذي لا يقدِّم أيَّ مقابل بدل الزيادة التي يتحصّل عليها سوى التمويل نفسه، ولا يُدخِل نفسه في مخاطر التجارة، ولا يقوم بأعبائها.

والصنف الثالث: بيع السَّلَم، وهو بيع سلعةٍ موصوفة  في الذمّة مقابل ثمن حالّ، وهو عكس البيع الآجل، والربح الذي مقابل الزمن يقع فيه للمشتري (المموِّل) لا للبائع (المموَّل)، لأنّ تأخير تسليم السلعة مع الدفع الحالّ يؤدّي إلى إرخاص في ثمنها مقابل أجل التأخير. وأمّا البائع فيتربّح من بيع السلعة نفسها. ومن ثَمّ كان في هذا البيع مصلحةٌ للطرفين: البائع بتصريف السلعة والحصول على ربحها مُقدمًّا، والمشتري بإرخاص ثمنها مقابل رضاه بتأخير استلامها.

وثمّة عقود تحايلية نشأت للالتفاف على تحريم الرّبا (التمويل الحرام الصريح)، بحيث يتلازم التمويل مع ضمان رأس المال والعائد للمُموِّل، ومن دون تحمّل المموِّل المخاطرة في التجارة، ولا قيامه بأعبائها.

فمن ذلك:

حِيَلُ ضمان رأس المال في المضاربة، ومن ذلك تركيب عقد القرض مع عقد الشركة. بأن يقول صاحب المال للمضارب خذ هذه الألف دينار قرضًا، وخذ هذا الدينار شركة، واتجر بالمالين فما يكون من ربح فهو بيننا بالنصف. وفي مثل هذه الحيلة، إذا ربحت التجارة فإنّ ربّ المال يأخذ نصف الربح الناشئ عن الألف والدينار، وأما إذا خسرت، فإن ربّ المال لا يخسر سوى الدينار، وأمّا الألف فهي مضمونة على المضارب لأنها قرض.

ومن ذلك:

بيعُ العينة، حيث يتواطأ المموِّل مع الممَوَّل على بيعه سلعة بيعًا آجلا بثمن ثم شرائها منه حالَّةً بثمن أقل، فتعود السلعة للبائع (المموِّل)، وأمّا المشتري (المموَّل) فيكون مدينا بثمنها الآجل مقابل ما حصل عليه من النقد من ثمنها الحالّ. وهذا في الحقيقة تمويل بالنقد مقابل زيادة مضمونة، والسلعة كانت واسطة صورية لجعل عقد الربا يبدو في صورة بيع.

ومن ذلك:

حِيَل الوساطة المالية، كما تفعله البنوك التي تُسمّى "إسلامية" التي تقدم النقد (بطريق مباشر أو غير مباشر) لتحصل على زيادة مقابل تأجيل السداد، بأن تتوسط بين التاجر والمشتري، بحيث يحصل التاجر على ربح السلعة، ويحصل البنك على ربح الأجل، مع أن الذي سوَّغ للتاجر الربح مقابل الأجل هو كون هذا الربح ربحا تابعًا لا مقصودًا بالنسبة له، والتاجر - كما أسلفنا - يقدم خدمة ومخاطرة في التجارة تسوّغ له الربح الأصلي والتابع، أمّا البنك فالزيادة مقابل الأجل مقصودة عنده لذاتها، وتوسُّطه بالتمويل إنما هو لأجل الحصول عليها لا غير، وهو لا يقدم خدمة ولا مخاطرة سوى التمويل نفسه، فكان بالمرابي أشبه منه بالتاجر، بل يكاد يكون هو والمرابي سواء، رغم مباشرته البيع والشراء اللحظي، كما في ما يُسمّى بعقد المرابحة للآمر بالشراء، ولذلك كره هذا العقد وحرّمه أكثر من تكلم في حكمه من فقهاء السلف.

ولو تأملنا المفاسد التي تنشأ عن الربا لوجدناها نفسها هي التي تنشأ عن عقود الوساطة المالية، من مثل:

أوّلًا: الربح المضمون من غير تقديم قيمة اقتصادية مضافة، لا خدمة، ولا مخاطرة، إلا التمويل نفسه. وهذا يؤدي إلى كسل أصحاب المال وعدم استثمارهم أموالهم في المشاريع التي تقدم قيمة اقتصادية مضافة، وتزيد الإنتاج، وتقلل البطالة، وتتضمن نوعًا من المخاطرة، كما يكون في السوق العقارية وسوق الأسهم، ولذلك فإنه من المقرّر اقتصاديًّا أنّ العلاقة عكسية بين ارتفاع سعر الفائدة (الربا)، والاستثمار، فكلمّا زاد سعر الفائدة (الربا) قلَّ الاستثمار، لأن الناس تحوّل أموالها من سوق الأسهم إلى الإيداع في البنوك أو شراء السندات، لأن البنوك والسندات ربحها مضمون بخلاف الأسهم.

ثانيا: التشجيع على الاستهلاك البذخي، وزيادة مديونيات الأفراد، فعقود الوساطة المالية والربا سواء في هذا الأثر، لأنها تجعل من السهل على الأفراد الحصول على التمويل لا لسدّ حاجاتهم فحسب، بل ولتحقيق رغباتهم في اقتناء السلع والخدمات الكمالية. والاستهلاك البذخي مضر جدًّا بحياة الناس؛ لأنّه يزيد مديونياتهم ويحوِّل الكماليات إلى حاجيات في حقِّهم بحكم العرف؛ إذ يصبح الفرد، حتى غير الراغب في الاقتراض، في حرج؛ لأنّه غير قادر على التعايش سويًّا مع بقية أفراد المجتمع إلا بأن يكون مثلهم في الإنفاق، وإلا تعرّض للّوم أو النقد، أو التعيير بالبخل، بسبب عدم مجاراته لهم في عادات الإنفاق. وهذا يظهر في العادات الاستهلاكية للمجتمعات، كما في تجديد السيارات، أو الأثاث، أو بناء البيوت الفارهة، أو تكاليف الأفراح، أو الأتراح...الخ، فينفق المرء إنفاقًا كماليًّا في هذه المجالات، وهو كاره في كثير من الأحيان، لا لشيء إلا ليتقي نظرة الناس الدونية إليه، ونقدهم له، فيما لو لم ينفق بالقدر الشائع عرفًا، وما كان هذا العرف ليستقر وينتشر لولا سهولة الاقتراض.

ثالثًا: التضخم ورفع الأسعار. وهو أثر جلي من آثار الربا وعقود الوساطة المالية، لأن هذه العقود تجعل من السهل توفير النقد الذي يُبذل في مقابل السلع، سواء وضع في يد الشخص مباشرة، كما في التمويل بالربا والتورق المصرفي، أو وُضع في يد التاجر لصالح الشخص الراغب بالسلعة، كما في عقود الوساطة المالية، من مرابحة وإجارة منتهية بالتمليك، ومشاركة متناقصة، وغيرها، ومن ثم ترتفع أسعار السلع لإقبال كثير من الناس على شرائها والحصول عليها. وعادةُ الحكومات في معالجة التضخُّم أن تلجأ إلى رفع أسعار الفائدة الربوية. وهذا من قبيل معالجة الداء بالداء، لأن رفع أسعار الفائدة يقلِّل من إقبال الناس على الاقتراض من البنوك، ومن ثم يقلِّل من استهلاكهم، فيزيد عرضُ السلع، وتقل أسعارها، لكنه في المقابل يضر بالاستثمار؛ لأن الأغنياء يحولون أموالهم من أسواق الأسهم (الاستثمار) إلى البنوك نظرا لارتفاع العائد على الربا وضعف المخاطرة، فيحدث الركود ويقل الإنتاج وتزيد البطالة.

والحاصل هو أن المفاسد الناشئة عن التمويل بالربا هي نفسها تنشأ عن التمويل بعقود الوساطة المالية للبنوك، وما يكون من فرق فهو فرق إمّا شكلي لا يقدِّم ولا يؤخِّر، وإمّا هامشي ضئيل لا يؤثر في حجم هذه المفاسد.

وكتبه أيمن صالح

الجمعة، 23 سبتمبر 2022

هل ستنجح دعوات التزام المذهبية الفقهية في العصر الراهن!

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله، ومن والاه، وبعد:

فقد قال أبو محمد ابن حزم، رحمه الله، (الرسائل  2/ 229):

«مذهبان ‌انتشرا في بدء أمرهما بالرياسة والسلطان: مذهب أبي حنيفة، فإنه لما ولي قضاء القضاة أبو يوسف كانت القضاة من قبله، فكان لا يولي قضاء البلاد من أقصى المشرق إلى أقصى أعمال إفريقية إلا أصحابه والمنتمين إلى مذهبه، ومذهب مالك بن أنس عندنا فإن يحيى بن يحيى كان مكينا عند السلطان، مقبول القول في القضاة، فكان لا يلي قاض في أقطارنا إلا بمشورته واختياره، ولا يشير إلا بأصحابه ومن كان على مذهبه، والناس سُرّاع إلى الدنيا والرياسة، فأقبلوا على ما يرجون بلوغ أغراضهم به. على أن يحيى بن يحيى لم يل قضاء قط ولا أجاب إليه، وكان ذلك زائدا في جلالته عندهم، وداعيا إلى قبول رأيه لديهم، وكذلك جرى الأمر في أفريقية لما ولي القضاء بها سحنون بن سعيد، ثم نشأ الناس على ما أُنشر».

قلت: أيمن: ولا يخفى أيضا أثر السلطان نظام الملك والأيوبيين والمماليك في نشر المذهب الشافعي. وكذلك دور الدولة البويهية في نشر المذهب الجعفري الشيعي. وأخيرا دور الدولة السعودية في نشر المذهب الحنبلي.

والحاصل هو أن دعم الأنظمة السياسية له دور كبير في ترسيخ المذهب الفقهي؛ لأنه بمثابة القانون السائد والمعمول به تدريسا وإفتاء وقضاء، ومن ثم تكون فرص الارتزاق للمشتغلين بالفقه عن طريق غيره من المذاهب ضيقة.

ولما اسُتوردت القوانين الغربية في مطلع القرن العشرين إلى معظم بلاد المسلمين وأقصي الفقه، أو وضع ملفقا بين المذاهب في مجالات محددة، انكسرت سورة المذهبية، وخفّت حدتها كثيرا وبرز بقوة اتجاه فقه الدليل المتحرر من التمذهب كليا أو جزئيا.

وهذ الأيام نشهد رجعة قوية إلى التمذهب في أوساط طلبة العلم تمدرسا وإفتاء، ودعوات كثيرة إلى ذلك هنا وهناك،  لكن معظم ذلك، في نظري، إنما هو ردة فعل على ما أثارته حركات فقه الدليل بسطحية بعض أطروحاتها، وفظاظة كثير من أتباعها في النقد في الغالب الأعم. 

وأتوقع أن يزداد التوجه المذهبي قوة وعصبية في الفترة القادمة ولا سيما مع بدء تبني بعض الأنظمة السياسية  الحالية له، كبحا لما نتج وما قد ينتج عن التخلي عنه من انتشار توجهات وفتاوى دينية سياسية خطرة ومقلقة لهذه الأنظمة، تنشأ عن حرية الرأي التي يتيحها  فك إسار التمذهب.

لكن من دون أن تتبنى هذه الأنظمة التمذهب في التوظيف في سلك التعليم والإفتاء والقضاء، وهو ما بدأت به بعضها فعلا، لا يُتوقع أن تنجح محاولة إعادة نفخ الروح في التمذهب، فالعامل الاقتصادي  - الذي تتحكم به الدولة - في نهاية المطاف هو المحدد الأكبر للتوجه الفقهي والمذهبي الذي تكتب له السيادة والغلبة في أي بلد. ولو تخلي عن هذا العامل فالطبيعي هو أن تتنوع التوجهات وتتعدد المسالك الفقهية في البلد الواحد، لأنه في مجاري العادات يعسر جمع الخلق أو معظمهم على رأي واحد من غير رغبة أو رهبة.

والله أعلم.

الجمعة، 5 أغسطس 2022

خطأ تعليل جريان الربا في الذهب والفضة بكونهما من الموزونات

مما بان خطأه بمرور الزمان اجتهادات بعض الفقهاء القدماء بتعليل جريان الربا في الذهب والفضة بأنهما من الموزونات لا بأنهما أثمان، وهو مذهب الحنفية والحنابلة، لأن قياس هذا القول ومقتضاه أن الأوراق النقدية التي يتعامل بها الناس هذه الأيام لا يجري فيها الربا لأنها ليست من الموزون أو المكيل، وعليه يجوز مبادلة النقد الورقي بأكثر منه إلى أجل كما تفعله البنوك في زماننا.

وهذا مما يكاد يكون هناك إجماع بين المعتبرين في الفتوى الآن على أنه حرام، وأن الخلاف في جوازه شاذ غير معتبر، ولو أباح العلماء تبادل النقد الورقي بأكثر منه إلى أجل ورخصوا فيه بناء على قياس قول الحنفية والحنابلة لانتهى حكم الربا من أساسه لأن مبادلة الذهب بالذهب والفضة بالفضة وسائر المنصوص عليه يكاد لا يقع هذه الأيام إلا نادرا، وغالب المبادلات بل 99% منها إنما هو بالنقود المعاصرة.

ومن ثم وجب على حنفية هذا الزمان وحنابلته أن يتراجعوا ويتوقفوا عن تعليل جريان الربا في الذهب والفضة بأنهما من الموزونات، وان يعترفوا بخطأ قدماء المذهب في تقرير هذه العلة ولاسيما أنهم اعتمدوا في إبطال علة خصومهم من المالكية والشافعية التي هي "الثمنية" بكونها علة قاصرة على الأصل لا تجري في فروع أخرى غير الذهب والفضة، وقد بان مع الوقت أنها ليست قاصرة بل جدت أثمان غير الذهب والفضة، بل حلت محلها.

ولا يقال هنا إن اختلافهم في العلة المذكورة إنما هو في ربا البيوع، أما ربا الديون فوجود الزيادة في جنس المال فيه مع الأجل تكفي في تحريمه. وهذا متحقق في ربا المصارف والربا في الأوراق النقدية عموما، ولذلك لا ضرر من عدم القول بعلة الثمنية في تحريم ربا البيوع.

وذلك لأنه لا معنى لتحريم إقراض المال بجنسه متفاضلا مع إباحة ذلك بالبيع، كأن تقول: يحرم أقرضتك كيلو ذهب بكيلين إلى أجل، ويجوز بعتك كيلو ذهب بكيلين إلى أجل، أو أن تقول يحرم أقرضتك ألف دولار بألفين إلى أجل ويجوز أبيعك ألف دولار بألفين إلى أجل، لأن النتيجة واحدة والحقيقة واحدة وهي مبادلة ربوي بجنسه متفاضلا إلى أجل، ولذلك حرم ربا البيوع لأنه ذريعة لربا الديون بل هو عينه إذا كان نسيئة. نعم أجاز جماهير الفقهاء بعيرا ببعيرين إلى أجل، وإنما ذلك لأن الأبعرة تتفاوت في قيمتها تفاوتا كبيرا بخلاف الأثمان، فمن المعقول أن يحرم إقراض بعير ببعيرين إلى أجل ويجوز بيع بعير ببعيرين إلى أجل. والحاصل أن مبادلة الأوراق النقدية بمثلها قرضا وبيعا (وهما سواء فيما لا تتفاوت أفراده تفاوتا كبيرا) ينبغي أن يلحق بمبادلة الذهب بالذهب لا بمبادلة بعير ببعير، وهذا الإلحاق إنما هو بعلة الثمنية، ومن لا يقول بهذه العلة - كالحنفية والحنابلة - لا يمكنه الإلحاق. وهو خطأ لا ينبغي التردد في الموقف منه.

والله أعلم.

الأحد، 9 مايو 2021

الفقيه ومعركة القرآن



مُعظم القرآن صراعٌ بين الحقّ والباطل، بين الإيمان والكفر، بين الأنبياء من جهة والكافرين والمنافقين في الجهة المقابلة. هذي هي معركة القرآن وقضيته الكبرى: تقرير الوحدانية، وتصحيح أصول الاعتقاد: الخلق، البعث واليوم الآخر، التنزيه، الصفات العلى، والأسماء الحسنى.

أمّا الأحكام التشريعية العَمَليّة فَلَمْ يُكثر القرآن من تناولها، إذ بلغت آياتها مائة وخمسين فقط من نحو ستة آلاف ومائتي آية عدد آي القرآن، وأوصلها بعضهم إلى خمسمائة آية، وهي، على هذا العدد، لا تزيد نسبتها في القرآن عن 8% من مجموع آياته.

على أن تناول القرآن للأحكام في تلك الآيات غالبه كليٌّ إجمالي لا يتعمّق في التفاصيل، كالأمر بالصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد وتحريم القتل والخمر والميسر والزنا والربا وتطفيف الميزان ونحو ذلك.

وهذا التناول القرآني المقتضب والمجمل للأحكام يجعل معظم القرآن بعيدًا عن همّ الفقيه وشغله الشاغل، لأن شغل الفقيه إذا كان مجتهدا هو استنباط الأحكام العملية المظنونة التي تحتاج إلى نظر واجتهاد أو الموازنة بين ما استنبطه السابقون منها، وبيان ما يدعم هذا الاستنباط أو الاختيار من أدلة المنقول والمعقول، والرّدّ على ما يَرِد على هذا الاستنباط أو الاختيار من اعتراضات المجتهدين الآخرين الذين قد يخالفونه الرأي. وأما "الفقيه" المقلِّد فشغلُه الشاغل حفظ استنباطات واختيارات مَتبوعه، وتعزيز الاستدلال لها والجدال عنها ونشرها: تعليمًا وتأليفًا وإفتاءً.

ومن ثَمّ يمكن القول إنّ معركة الفقيه، مجتهدًا ومقلِّدًا، ليست هي معركة القرآن، معركة القرآن في العقائد والتصورات، ثم بدرجة أدنى، في القطعيات من الأحكام العَمَليّة. وأمّا معركة الفقيه ففي مُغَلّبات الظّنون من الأحكام العمليّة التفصيليّة. تلك الاحكام التي اختلف الأصوليّون هل الحقّ فيها واحد والمخطئ معذور، أو كلّ مجتهد فيها مصيب، ولأجل ذلك هوَّن من الاشتغال بها ابن الوزير (ت849هـ) رحمه الله بقوله: «‌الخوض ‌في ‌المسائل ‌الظنية الفروعية على جهة المنازعة في بيان المُحق من المُبطل لا يشتغل به مُحصِّل، لأنّ الأمر قريب فيما كلٌّ فيه مُسامَحٌ أو مُصيب». (العواصم والقواصم 3/ 6).

وإذا أراد الفقيه أن يتفاعل مع قضايا القرآن الكبرى وينخرط في جند معركته – ولا بد له من ذلك لأن هذا هو المفروض في كلّ عالم ربّاني - فليحذر من التمادي مع الفقه (الفروعي) إلى درجة يشغله هذا التمادي عن فضيلة الجهاد المعرفي والبياني في قضايا الدين والقرآن الكبرى.

وعليه أن يهتمّ بـ"الفقه في الدين" بالمعنى الشرعي الوارد في الكتاب والسنة، الذي سار عليه الأوّلون من علماء الصحابة والتابعين ومن بعدهم في خير القرون، الذي يجعل "الفقه" شاملا للعلم بالأصول والفروع، والقضايا العلمية والعملية معًا، وليس ذاك القاصر على العلم بالأحكام الفرعية التفصيلية الظنية عن اجتهاد أو تقليد، كما آل إليه معنى "الفقه" عند المتأخّرين.

وحتى في مجال الأحكام العمليّة فعلى الفقيه أن يقترب أكثر من معركة القرآن، وذلك بأن لا تقتصر دراسته على تناول الأحكام الظنيّة والتعليل الجزئي القياسي، بل يتناول بالدراسة والبحث والتعليم والدعوة قضايا القطع من مسائل الأحكام ومقاصد الشريعة، ببيان وجاهتها وفاعليتها في التطبيق وكيف أنّ امتثالها يؤدّي إلى انتظام مصالح الخلق على صعيد الفرد والأسرة والدولة والعالم، وينافح عن هذه الأحكام والمقاصد في وجه النظريات التشريعية والاخلاقية التي تتبناها شرائع وقوانين وأعراف غير المسلمين شرقًا وغربًا، على نحو ما يوجد في الكتب التي تُعنى بالمقارانات التشريعية بين الفقه الإسلامي والقوانين الوضعية، والتي عادة ما يخوض فيها قانونيون ذوو خلفيات فقهية عامّة، ولا تلقى عناية كافية من الفقهاء.

آن الآوان للفقيه المعاصر أن يخرج من برجه العاجي الذي يعزله عن قضايا القرآن: قضايا الحق والباطل، قضايا الكفر والإيمان، ويتخفَّف من معاركه الجدليّة في ذلك البرج مع طواحين الهواء التي يواجه فيها غيره من إخوانه الفقهاء المسلمين ليباشر المعارك التشريعية الحقيقيّة التي يقارع فيها أهل الكفر والإلحاد وأصحاب النظريات الوضعية والمادية من فلاسفة القانون والأخلاق والاجتماع والاقتصاد.

وهذا الانزياح الحادّ في طريقة قيام الفقيه بواجبه في حق "الفقه" و"العلم"، يحتاج منه أن يوسِّع في أدواته ومناهجه البحثية، فتصبح دراسة أصول القانون وفلسفته جزءًا من مؤهّلاته لا أصول الفقه وعلوم اللغة فحسب، ويغدو التسلّح بمناهج العلوم الاجتماعية في البحث والاستنتاج من أهمّ الأدوات التي تؤهِّله للقيام بواجبه. وبذلك يكون مشاركًا، مع إخوانه من علماء العقيدة والدعوة والفكر، في معركة القرآن، لا واقفًا منها على الحياد، أو جالسا في مقاعد "المتفرجين"، كما هو الواقع الآن في حال أكثر الفقهاء.

الأحد، 21 مارس 2021

موازنات الفقهاء وتلفيقات المعاصرين



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:

فالفقيه الحق ينظر إلى المسائل الفقهية المنضوية تحت موضوع واحد نظرة متكاملة، أي أن حُكمَه في مسألة تعالج جانبًا من موضوعٍ ما يتأثّر بحكمه على مسألة أخرى تعالج جانبًا آخر في الموضوع نفسه. وعليه، فربَّما خفّف حكمه في مسألة ثم تدارك ما قد ينشأ عن هذا التخفيف من مفاسد محتملة بوضع اشتراطات وتشديدات في مسألة أخرى متعلّقة بالموضوع من جهة أخرى.

فمثلًا أبو حنيفة، رحمه الله، لَمّا لم يشترط عبارة الولي ولا موافقته لصحّة نكاح المرأة فإنّه شدَّد وبالغ في شروط الكفاءة التي يُسمح بموجبها للولي بفسخ عقد مولّيته إذا نكحت من غير موافقته. وبذلك أحدث نوعا من التوازن بين حق المرأة في اتخاذ قرار النكاح، وحق الولي في دفع الضرر عن نفسه وعن مولّيته فيما لو قررت الزواج بغير كفء.

وبعكس ما فعل أبو حنيفة فعل مالك، فتساهل في شروط الكفاءة وجعلها قاصرة على الدين فقط لكنه في المقابل اشترط عبارة الولي وموافقته. وتوسّط باقي الأئمة بين المذهبين.

مثال آخر: لَمّا لم يشترط مالك الشهود لصحة النكاح فإنه اشترط الإعلان بخلاف الجمهور الذين اشترطوا الشهود ولم يشترطوا الإعلان. وبهذا يحدث التوازن على المذهبين في إخراج النكاح عن السرية إلى دائرة العلنية.

مثال ثالث: لَمّا بالغ الحنابلة في إبطال العقود بالنوايا الفاسدة فإنهم في المقابل تساهلوا في اعتبار الشروط التي يُسمح للعاقدين أو أحدهما باشتراطها زيادة على مقتضى العقد وتوسعوا في قبولها إذا حققت مصلحة لهما أو لأحدهما وكذلك قال المالكية بلزوم الوعد في بعض الفروع.

أما الحنفية والشافعية فلمّا بالغوا في الاعتداد بالظاهر في العقود وعدم التعويل على النوايا والبواعث فإنهم في المقابل بالغوا في المنع من الشروط التي قد يشترطها أحد المتعاقدين وإبطالها حتى لا تُستغلّ هذه الشروط في التحيُّل على الشرع، والتوصُّل بها إلى الممنوعات.

وهكذا ديدن الفقهاء، على تفاوتٍ بينهم، الموازنةُ في معالجة الموضوعات المركّبة من مسائل شتّى حتى لا تميل كفّة على كفّة. وما يُخشى أن يفوت من مصالح، أو ينشأ من مفاسد، من الحكم في مسألة يُستدرك أو يُتلافى في الحكم في مسألة أخرى ذات علاقة بالمسألة الأولى.

ولكن مع فشوّ التلفيق في عصرنا الحاضر تُنوسيت موازنات الفقهاء، وأُخذ بالأسهل عند كل منهم وتُرِك الأشد فاختلت المعالجات الفقهية للموضوعات التشريعية في صورتها الكلية.

فكثير من قوانين الأسرة مثلا لا تشترط الولي، ومع ذلك تتساهل في اشتراط الكفاءة في الوقت نفسه. وفي هذا تضييع للتوازن بين مصالح المرأة ومصالح الولي.

وغالب المشتغلين من "فقهاء الثروة" في هيئات المصارف الإسلاربوية، يحكمون بظاهر العقود ولا يحكِّمون البواعث ولا يبطلون الذرائع على طريقة الشافعي وأبي حنيفة، ومع ذلك يتوسعون في تجويز الشروط والوعود الملزمة على طريقة أحمد في الشروط وعلى طريقة مالك في الوعود. وهذا نوع من العبث واللعب في المعالجات التشريعية للقضايا الفقهية، لأن من بالغ في منع الحيل والذرائع تساهل في الشروط، ومن بالغ في ترك الذرائع تشدد في الشروط. واقتفاء خطة تخالف المذهبين في شق المنع وتوافقه في شق الجواز إخلال بالتوازن الذي من شأنه منع الحيل والشروط الفاسدة.

ومن أجلى الأمثلة على ذلك عقد المرابحة للآمر بالشراء (الذي سمّاه القدماء بالمواصفة، أو اشتري لي كذا حتى أُربحك كذا) الذي هو ذريعة واضحة للتحيُّل على تحريم الربا بالتربّح من الإقراض باسم البيع الآجل من غير تحمّل تبعات البيع والتجارة، ولذلك جزم جماهير فقهاء السلف بتحريمه، كما حققناه في بحث مستقل. ولَمّا كان الشافعي لا يلتفت في الحكم بالصحة على العقد إلى الذرائع والتحايلات فقد صار إلى إبطال هذا العقد إذا اقترن بالشرط ونص على ذلك، فجاء بعض المعاصرين فأخذ من الشافعي شطر كلامه في عدم الالتفات إلى باطن هذا العقد من حيث هو ذريعة إلى الربا، وترك الشطر الآخر الذي هو في منع الشرط الملزم. واستبدل به ما أقره الإمام مالك من لزوم الوعد في بعض الفروع الفقهية، فلفَّق بين المذهبين في هذه المعاملة، مغفلا أن من نظر إلى الظاهر وأغفل الحيل كالشافعي أبطل الشروط، ومن قال بلزوم الوعد في بعض المسائل كمالك شدَّد في اعتبار البواطن ومنع الحيل.

وهذا التلفيق هو من النوع الممنوع شرعا، وهو الذي ينشأ منه في مسألة "حقيقة مركّبة" لا يقول بها أحد من المجتهدين كما ذكر السبكي والقرافي وغيرهم، ومثَّلوا له بمن يتزوَّج من غير ولي ولا شهود ولا صداق، فهذه الصورة المركبة في النكاح لم يقل بجوازها أحد.

والمنع من هذا النوع من التلفيق يشمل المقلِّد والمجتهد سواء، لأن الصورة المركبة التي يُذْهَب إليها ممتنعة بالإجماع، والممنوع بالإجماع ممنوع على جميع المكلفين: مقلِّدين ومجتهدين.

الأحد، 21 فبراير 2021

20 موضوعا مقترحا لبحوث أكاديمية أو رسائل علمية في مجالي الفقه وأصوله


رغم قناعتي التامة بأن أفضل مواضيع البحوث هو ما توصل إليه الباحث بنفسه نتيجة لمطالعاته فإني إسعافا لبعض الطلبة أنوه بالموضوعات الآتية، علما بأن بعضها قد يصلح لبحث قصير محكم، وبعضها قد يصلح لرسالة، وبعضها قد يكون درس سابقا فيحتاج الطالب إلى مراعاة ما كتب وهل هو قادر على الإضافة العلمية عليه أو لا.

  1. انتفاء الحكم لانتفاء العلة (عكس العلة): دراسة أصولية تطبيقية على أحاديث الأحكام في باب (المعاملات).
  2. مشروع يحيى محمد التجديدي في الفقه والأصول: عرض وتقويم
  3. المسائل المختلفة في الاسم المتحدة في المضمون (الأشباه) في أصول الفقه: جمع ودراسة
  4. نوازل وسائل الاتصال السمعي والمرئي: جمع ودراسة
  5. ظاهرة كثرة الاستثناء والتقييد في قواعد أصول الفقه عند الحنفية: دراسة في الأسباب والآثار
  6. معالم التجديد الأصولي عند الإمام الغزالي
  7. قول الصحابي المخالف للقياس: دراسة نظرية تطبيقية
  8. تطبيقات قادح القول بالموجب في القياس في كتاب تحصين المآخذ للغزالي (أو الاصطلام للسمعاني): دراسة وتقويم
  9. تطبيقات قادح الفرق في القياس في كتاب تحصين المآخذ للغزالي (أو الاصطلام للسمعاني): دراسة وتقويم
  10. تطبيقات قادح القلب في كتاب تحصين المآخذ للغزالي (أو الاصطلام للسمعاني): دراسة وتقويم
  11. تطبيقات قادح نقض العلة في كتاب تحصين المآخذ للغزالي (أو الاصطلام للسمعاني): دراسة وتقويم
  12. دراسة مقارنة بين منهجي السمعاني والغزالي في الجدل الفقهي في كتابيهما تحصين المآخذ والاصطلام
  13. القياس الطردي عند الأصوليين: مفهومه وحجيته وأمثلته
  14. التطور العلمي في مؤلفات الغزالي الأصولية في مسائل التعليل والقياس: دراسة وتقويم
  15. اجتهادات الصحابة رضوان الله عليهم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم: جمع ودراسة
  16. ما حرم من البيوع سدا لذريعة الربا: دراسة فقهية
  17. قصد الشريعة إلى الحد من المداينات وأثره في تقويم منتجات المصارف الإسلامية (كتبت فيه بعض البحوث القصيرة لكنه محتمل للتوسيع ولاسيما في بيان أثر الديون على الاقتصاد)
  18. قصد الشريعة إلى الحد من الإنفاق البذخي وأثر ذلك في تقويم شروط التمويل وأدواته في المصارف الإسلامية.
  19. الاستحسان للمصلحة وتطبيقاته المعاصرة
  20. النماذج البديلة التي اقترحت عوضا عن المصارف الإسلامية في وضعها الراهن: جمع ودراسة

الأربعاء، 23 ديسمبر 2020

اللعان وتقييم دوره في علاج النّسب المختل بسبب الزنى أو قرائنه

(مقتبس من كتابي: التحقق من النسب بفحص البصمة الوراثية: نظرات فقهية جديدة)

إذا وقعت الزوجة في الزّنى، أو ظُنّ غالبًا وقوعها فيه بالنظر إلى القرائن، ثمّ حملت حملًا تيقّن الزوج، أو غلب على ظنّه، أنّه من الزاني، فقد شرع الإسلام له اللعان لكي يتخلّص من نسب الولد.

واللعان شُرع في الأصل درءًا لحدّ القذف عن الزوج استثناءً له من عموم القاذفين. وهذا واضحٌ من سبب نزول آيات اللعان، حيث قال هلال بن أُميّة: «يا رسول الله، إذا رأى أحدُنا على امرأته رجلًا ينطلق يلتمس البيّنة، فجعل النبي، صلى الله عليه وسلم، يقول: "البيّنة وإلا حدٌّ في ظهرك"، فقال هلال: والذي بعثك بالحقّ إنّي لصادق، فلينزلنّ الله ما يبرِّئ ظهري من الحدّ، فنزل جبريل وأنزل عليه: {والذين يرمون أزواجهم} [النور: 6] فقرأ حتّى بلغ: {إن كان من الصادقين} [النور: 9]»([1]).

وقال عويمر العجلاني: «يا رسول الله رجلٌ وجد مع امرأته رجلًا أيقتله فتقتلونه! أم كيف يصنع؟ فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: قد أنزل الله فيك وفي صاحبتك»([2]).

ولأنّ النبي، صلى الله عليه وسلم، أقرّ الملاعن على نفي ولده، بعد لعانه، وألحقه بأمّه، أخذ العلماء أنّ من مقاصد اللعان أيضًا: دفعَ النّسب الفاسد، إذ لو سُدَّ هذا الباب لما استطاع الزوج أن ينفي عنه نسبًا فاسدًا أدخله عليه رجلٌ هو بمثابة العدوّ له، لطَّخ فراشه، وهتك عِرضه، ولأُجبر على النفقة على ولد هذا المعتدي، وتوريثه منه، والسّماح بدخوله على محارمه. «وهذا من الحَرَج والضّرر الذي لا يجوز أن تُطلِقَ حِكمةُ الربّ مثلَه، بفضله على عبادة وحسن نظره لهم. وكيف يأخذ الشرع ولد زنى فيضعُه في حِجر إنسان ويُلحقُه به، ثمّ لا يجعل له سبيلًا في التخلّص منه؟! ولا قبحَ ولا فظاعةَ فوق هذا، ولا نفرةَ في القلوب، ولا ضررَ في النفوس، أشدُّ من هذا»([3]).

وعلى هذين المقصدين لِلِّعان اتّفق الفقهاء. قال ابن بَزِيزة التونسي: «انعقد الإجماع على أنّه [أي اللعان] مشروعٌ لضرورة دفع النّسب، ونفيِ العقوبة المتوجِّهة عليه [أي الزوج] بالقذف»([4]).

وقد أحاط الفقهاء اللعان بشروطٍ اجتهاديّة كثيرة خشيةَ أن يتعسّف الأزواج باستعماله تهرّبًا من تبعات الأولاد، أو انتقامًا من الزوجات وفضحًا لهنّ لأدنى حالات الشكّ:

فمثلًا اشترط بعضهم لجواز اللعان رؤيةَ المرأة تزني، ولنفي الولد اشترطوا وقوع استبراء المرأة قبل حادثة الزّنى وبعدها([5]).

واشترط آخرون أهليّة المتلاعنين للشهادة، وقيام الزوجيّة الصحيحة حال اللعان، فلا لعان في نكاحٍ فاسد، والمطلقةُ البائنة لو أتت بولد لمدّة الحمل، التي تمتدّ عندهم إلى سنتين، يُنسب إلى الزوج ولا سبيل له إلى نفيه باللعان([6]).

واشترط جمهور الفقهاء مبادرة الزوج إلى اللعان دون مهلةٍ فورَ علمه بالحمل أو الولادة، وانتفاءَ ما يدلّ على إقراره بالحمل أو الولد([7]).

وهذه الشروط في أكثرها معقولة مُتفهّمة في عصر الفقهاء، لأنّها تحفظ مصلحة الولد والأمّ، وتسدّ الذريعة أمام تضييع الأنساب بالظّنون، ولاسيمّا مع ضعف الوازع الديني عند الناس بمرور الزمن، وجرأتِهم على حلف أيمان اللعان دون وَجَلٍ أو تردّد في سبيل تحقيق أغراضهم الفاسدة.

وأمّا في هذا العصر فينبغي على أهل الفقه، قيامًا بواجب تجديد الاجتهاد، مراجعةُ هذه الشروط في ضَوء الأُسس الكلّيّة الحاكمة لقضايا النّسب في الشريعة، وذلك لتغيّر الظروف المؤثّرة في تقرير تلك الشروط من نواحٍ عدة، أهمّها ثلاثة:

أولًا: إمكانُ التيقّن من انتساب الولد عضويًّا إلى الزوج من عدمه في هذا الزمن باكتشاف البصمة الوراثيّة، وهذا لم يكن ممكنًا قبل ذلك إلا في أحوال خاصّة قليلة.

ثانيًا: ضعفُ الوازع الديني عند الناس أكثر فأكثر هذه الأيام مقارنة بما كانوا عليه زمن الأئمّة الفقهاء، وجرأتُهم الكبيرة على الحلف والشهادة إذا كان في ذلك تحقيقُ أغراضهم.

ثالثًا: تعطيلُ تطبيق حدّي القذف والزّنى في أكثر البلدان الإسلاميّة إن لم يكن جميعها، مع أنّ اللعان مشروعٌ في الأصل لدرء الحدّ.

وممّا نراه ينبغي أن يُقرِّره الفقهاء فيما يَستجِدّ في شأن اللعان في هذا العصر أن يُقصَر تطبيقه على الحالات التي يُحتاج فيها إلى درء العقوبة عن الزوجين، سواء أكانت العقوبة حدًّا شرعيًّا في البلاد التي تُطبَّق فيها الحدود، أم تعزيرًا في البلاد التي عُطّلت فيها الحدود. وأمّا تطبيقُه لغرض نفي النّسب فقد انتهى إلا حيث يتعذّر استعمال فحص البصمة الوراثيّة، «وإنّما يُنفى النّسب باللعان، إذا لم يكن للانتفاء طريقٌ آخر» كما قال الرافعي([8]). و«إذا أمكن نفيٌ سوى اللعان، لم يجز اللعان؛ فإنّ اللعان حجّةُ ضرورة»، كما قال إمام الحرمين([9]).

وهذا الانتهاء ليس تعطيلًا لتشريعه، كما قد يبدو لبعض من لم يُنعِم النّظر في المسألة، وإنّما لفقد شرط تطبيقه في نفي النّسب عند جمهور الفقهاء، إذ هم يشترطون للحُكم باللعان وجود احتمال أنّ الولد من الزوج، وعليه لا يحكمون به في الحالات التي يُتيقَّن بدليلٍ ظاهر من انتفاء كون الولد من الزوج، وإن وُلِد على فراشه، وذلك كأن:

                1.         تأتي الزوجة به لأقلّ أو أكثر من مدّة الحمل،

                2.         أو يكون الزوج فاقدًا القدرةَ على الإخصاب، كالصغير الذي لا يمني حتّى مع قدرته على الوطء، وكالمعيب جنسيًّا بخصاء وجَبٍّ ونحو ذلك ممّا تنعدم معه، في العادة، القدرةُ على الإمناء،

                3.         أو تُوجد قرائن ظاهرة (يمكن إثباتها أمام القضاء) يحصل معها القطع بانتفاء إمكان الجماع بين الزوجين، كمن في المشرق يتزوّج ممّن في المغرب بالوكالة، ثمّ تأتي بولد، مع القطع بعدم سفر أحدهما إلى الآخر. وكالرجل يتزوّج ثمّ يطلِّق في مجلس العقد بوجود الشهود، وكمن يعلّق الطّلاق على الزواج – عند من يجيز تعليقه عليه – فيقول للمرأة: "إن تزوّجتك فأنت طالق"، ثمّ يتزوّجها فتَطْلُقُ منه بمجرّد زواجها، ثمّ تأتي بولد لمدّة الحمل بعد إجراء العقد.

قال الشافعي، رحمه الله: «إذا أحاط العلمُ أنّ الولد ليس من الزوج فالولد منفيٌّ عنه بلا لعان»([10]). وقال إمام الحرمين: «إنّما يُلحَق النّسبُ الذي يُحتَمل تقديرُ علوقه من النّكاح، فعند ذلك يُلحِقُ الفراشُ النّسبَ بصاحب الفراش، فلا ينتفي عنه من غير لعان. فأمّا إذا زال إمكانُ العلوق في النّكاح، فالولد ينتفي من غير لعان»([11]). وقال الماوَردي: «كلُّ ما استحال أن يكون منه امتنع أن يكون لاحقًا به، كزوجة الصّغير، وكالمولود لأقلّ من ستّة أشهر»([12]). وقال ابن حزم: «كلُّ من وُلِد على فراشه ولدٌ فهو ولدُه إلا حيث نفاه الله تعالى على لسان رسوله، صلى الله عليه وسلم، أو حيث يُوقن بلا شكٍّ أنّه ليس هو ولده»([13]). وقال القاضي عبد الوهاب: «إذا عقد على امرأته فأتت بولدٍ لا يمكن أن يكون منه لم يلحق به...، دليلنا: أنّها أتت بولدٍ لا يمكن أن يكون منه، فوجب أن لا يلحق به، كالصّغير»([14]). وقال ابن قدامة: «مَن وَلدت امرأتُه ولدًا لا يمكن كونه منه في النّكاح لم يلحقه نسبُه، ولم يَحتجْ إلى نفيه؛ لأنّه يُعلم أنّه ليس منه فلم يلحقه، كما لو أتت به عقيب نكاحه لها، وذلك مثل أن تأتي به لدون ستّة أشهر من حين تزوَّجها فلا يلحق به في قول كلِّ من علمنا قوله من أهل العلم»([15]).

ولم يخالف في هذا الأمر إلا أبو حنيفة، رحمه الله. وإنّما خالف في النوع الثالث من القرائن فقط، فأثبت معها الولد للفراش ابتداءً، وأوجب على الزوج نفيه باللعان ديانة. وقد أوضحتُ مذهبه سابقا([16]).



([1]) البخاري، الصحيح، 6/100.

([2]) المرجع السابق.

([3]) السمعاني، قواطع الأدلة، 2/288 بتقديم وتأخير يسيرين.

([4]) ابن بزيزة التونسي، روضة المستبين في شرح كتاب التلقين، 2/845.

([5]) الحطاب، مواهب الجليل في شرح مختصر خليل، 4/133.

([6]) السرخسي، المبسوط، 7/40.

([7]) الريمي، المعاني البديعة في معرفة اختلاف أهل الشريعة، 2/289.

([8]) الرافعي، العزيز شرح الوجيز، 9/383.

([9]) الجويني، نهاية المطلب، 15/79.

([10]) الشافعي، الأم، 8/321.

([11]) الجويني، نهاية المطلب، 15/273.

([12]) الماوردي، الحاوي الكبير، 11/161.

([13]) ابن حزم، المحلى بالآثار، 9/337.

([14]) القاضي عبد الوهاب، الإشراف على نكت مسائل الخلاف، 2/790.

([15]) ابن قدامة، المغني، 9/52.

([16]) ص101.