أستاذ الفقه وأصوله

أستاذ الفقه وأصوله
كلية الشريعة
جامعة قطر

السبت، 28 سبتمبر 2019

صناعة التجديد الفقهي

هذا فصل من كتاب (صناعة التفكير الفقهي، تحرير مشاري الشثري، مركز تكوين) صدر لي حديثا يمكن تحميله كاملا من هنا
وقد قلت في مقدمته:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله ومن والاه، وبعد:

فإنّ الحديث عن الصّناعة الفقهيّة، لا يستوي على ساقه، ولا يُؤتي أُكُلَه، دون حديث عن التجديد الفقهي. وقد كثر كلام المعاصرين في هذا الباب حتى أُفردت فيه البحوث والمصنّفات وسُجِّل فيه عدد من الرسائل، وهي كثرة تدعو الباحث العاقل إلى الإحجام عن تكلّف مزيد من الكلام في ذلك؛ لأنّ كلامه غالبًا سيكون مكرورًا، ورأيَه مبتذلًا مطروقًا، وفكرَه كأنّه خبرٌ لا إنشاء، واقتراحاتِه مجرّد صدىً وانعكاسٍ لاقتراحات الآخرين.

ومع هذا فقد خضنا هذا المخاض على أمل أن نجدِّد في الحديث عن «تجديد الفقه»، بأن نحاول في هذه المساحة المحدودة من هذا الكتاب في الصّناعة الفقهية أن نضيف إضافة نوعيّة إلى ما كُتب في هذا الموضوع.

وقد جاء حديثنا عن صناعة التجديد الفقهي بعد هذا التقديم في خمسة عناوين فرعيّة:
  1.  مفهوم التجديد الفقهي.
  2. مشروعية التجديد الفقهي وعلاقته بالاجتهاد.
  3. أهمية التجديد الفقهي.
  4. واقع التجديد الفقهي.
  5. مجالات التجديد الفقهي.
وجاء في الخاتمة:

وفيها أبرز نتائج هذا الفصل:
  1. معنى «تجديد الفقه» بوصفه مركّبٌ إضافيٌّ من «التجديد» و«الفقه» يحتمل معنيين: أحدهما: إعادة ممارسة عمليّة اكتساب الأحكام للوقائع، أي إعادة الاجتهاد لمعرفة أحكام المسائل التي سبق الاجتهاد فيها، والآخر: تغيير أو استبدال الأحكام الفقهية التي قرّرها الفقهاء السابقون بأحكام جديدة. وأمّا المعنى العرفي الاصطلاحي له فيختلف بحسب الاتجاه الفقهي الداعي إلى التجديد:
    1. فالعصرانيّون والإصلاحيّون: يدعون إلى تجديد الفقه تجديدًا يمسّ الأصول والثوابت قليلًا أو كثيرًا. فالتجديد عندهم إنشاءٌ وتغييرٌ أكثر منه ترميم وتطوير، وإن تفاوتوا في ذلك.
    2. والإحيائيّون بمناهجهم المختلفة يرفضون التجديد الذي يمسّ الثوابت، ويتّفقون على التجديد بمعنى التمسّك والعمل والتطبيق، ولكنّهم يختلفون فيما وراء ذلك:
    3. فالمذهبيّون منهم مانعون للتفقّه والعمل والاجتهاد إلا في إطار المذهب، ومنهم من يفضِّل التمذهب دراسةً وعملًا، ولكنّه لا يُلزم به، ويسمح بالاجتهاد المستقلّ في المستجدّات.
    4. والسّلفيّون والتيسيريّون يمثّل ترك التقليد أساسًا في ممارستهم للتجديد الفقهي الإحيائي عن طريق الاتّباع والاجتهاد، ويختلفون في أنّ السّلفيّين يغلب عليهم في اجتهاداتهم الميل إلى الظّاهر والأدلّة النّقليّة الجزئيّة والاحتياط، والتيسيريّين يغلب عليهم الميل إلى التأويل والتّعليل والأدلّة الكُلّيّة ومراعاة الأيسر.
  2. جميع الاتجاهات الفقهيّة تتقبّل التّجديد الفقهي بل إنّ بعضها ينادي به ويجعله أساسًا في دعوته. وعليه فليس ثَمّ خلاف بينهم في مشروعيته، ولكنّ الخلاف في ماهيته وحدوده. وما يبدو من توجّس بعضهم وتحفظّه أحيانًا عن فكرة التّجديد إنّما هو بسبب التّوظيف غير المقبول في نظره لهذه الفكرة من قبل الاتجاهات الأخرى ولا سيّما الاتجاهين العصراني والإصلاحي.
  3. «التجديد الفقهي» إذا أردناه أن يكون مشمولًا بحديث تجديد دين الأمة كلّ مائة سنة، فإنّه يكون المقصود به: إحياء أحكام الدين الفقهية في حياة الأمّة، بنشر الفقه بالدعوة والتعليم والتأليف وتطبيقه في كافة شؤون الحياة، ونفي ما تلبّس به من البدع والأخطاء التي بُنيت على تصوّرات قديمة قاصرة. وأمّا إذا أردنا أن نوسِّع في الاصطلاح، حيث لا مشاحّة فيه، فيمكن أن ندرج فيه، بالإضافة إلى ما سبق، الاجتهادَ بأنواعه، على أن يكون من أهله، وفي محلّه. وهذا ما يجري عليه الأكثرون ممّن يستعملون مصطلح «التجديد الفقهي».
  4. التجديد الفقهي مهم جدًّا. وتهوين سيّد قطب، رحمه الله، من تجديد الفقه خطأ جسيم، يفضي إلى نقيض ما يُرجى من تركه.
  5. وصف العصر الحديث بدور «النّهضة الفقهيّة» فيه مبالغة مفرطة من وجهة نظر الباحث؛ إذ كما اعترت الفقه مظاهر إيجابيّة في هذا الدور فقد اعترته أخرى سلبية تكاد تعادل في خطورتها المظاهر الإيجابيّة أو ربّما تربو عليها.
  6. للتجديد الفقهي ثلاثة مجالات رئيسة: الاجتهاد، والنّشر (تعليمًا وتأليفًا)، والتّطبيق:
    1. تتمثّل في مجال الاجتهاد في أمرين: أحدهما: إعادة الاجتهاد في المسائل القديمة لتصفيتها وتمييز ما هو تاريخي فيها عمّا هو مطلق، والآخر: التصدّي للمستجدّات والحوادث التي لم يسبق للقدماء رأيٌ فيها. وهنا تبرز إشكاليّتان: إشكاليّة الجمع بين الفقيه والخبير، وإشكاليّة موضع بحث المستجدّات في البناء الفقهي.
    2. وتتمثّل في مجال التعليم في إيجاد طريقة وسط تجمع بين التعليم وفق الطريقة التقليدية (حلقات التعليم) والطريقة الحديثة، بحيث تشتمل على إيجابياتهما وتتجنّب سلبياتهما.
    3. وتتمثّل في مجال التأليف في أمور كثيرة ذُكر أبرزها في البحث، مع التنويه بأهميّة إخراج المادّة الفقهيّة في هيئة إلكترونيّة متحرّرة من صورة الكتاب الورقي، وغنيّة بالوسائط السّمعية والبصريّة.
    4. وتتمثّل في مجال التطبيق بممارسة التجديد في المجالات السابقة تمهيدًا إلى التطبيق الذي هو الغاية النهائية للتجديد، والدعوة إلى التزام الأحكام الشّرعيّة في جميع المجالات، وغير ذلك مما ذُكر في البحث.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق