أستاذ الفقه وأصوله

أستاذ الفقه وأصوله
كلية الشريعة
جامعة قطر

الجمعة، 27 سبتمبر 2019

التعليل بالمظنة لا بالحكمة

هذا بحث نشر لي حديثا يمكن تحميله من هنا

وهذه أهم نتائج البحث:

  1. «التّعليل بالمظنّة» هو نوط الحُكم، وجودًا، أو عدمًا، أو كليهما، بالمظنّة، وهو يُطلق في مقابل «التّعليل بالحكمة» الذي هو نوط الحكم، وجودًا، أو عدمًا، أو كليهما، بالحكمة.
  2. لحصول المظنّة والحكمة في آحاد الوقائع المحكوم فيها ثلاثُ حالات: الأولى: أن يحصلا معًا في الواقعة محلّ الحكم. والثّانية: أن ينعدما معًا. والثّالثة: أن تُوجد إحداهما في الواقعة دون الأخرى. وفي هذه الحالة الأخيرة فقط يحدث الإشكال الفقهي، ويُحتاج إلى الموازنة والتّرجيح بين التعليل بالمظنّة والتّعليل بالحكمة.
  3. القاعدة العامّة التي تحكم عمليّة الموازنة بين نوط الحكم بالمظنّة ونوطه بالحكمة عند الفقهاء والأصوليّين، بإطباقٍ منهم، هي أنّ الأصل أن يُناط الحكم بالمظنّة لا بالحكمة. (ويُخرَج عن هذا الأصل في حالات خاصّة سنوضِّحها في بحث لاحقٍ إن شاء الله تعالى).
  4. الغاية من التّعليل بالمظنّة لا بالحكمة هي تشوُّف الشّارع إلى الضّبط والحَسْم والوضوح في وضع الأحكام وسنّ القوانين. ومقصد الضّبط هذا ينطوي على مقاصد أو مصالح أخرى. فالضَّبط، على التّحقيق، ليس غايةً في نفسه بل الغاية الحقيقيّة هي ما يترتَّب عليه من مصالح للمكلّفين أفرادًا وجماعاتٍ. وتتمثّل هذه المصالح - المترتّبة على الضّبط - في ثلاثة معانٍ يمكن عدُّها الغايات المصلحيّة لنوط الأحكام بالمظانّ دون الحِكَم، وهي: التّسهيل، والاحتياط، وقطع النّزاع. وقد تجتمع هذه الغايات، كلّها أو بعضها، في المثال الواحد والمسألة الواحدة، وقد يتجلَّى انفراد أحدها أو غلبته على غيره في أمثلة أو مسائل أخرى.

الأحد، 22 سبتمبر 2019

مواضيع مقترحة للبحث في الفقه وأصوله

1. دعاوى النسب وتطبيقاتها في محاكم الأسرة في دولة...
2. اختيارات الإمام الروياني: جمع ودراسة.
3. الاستدلال على قواعد أصول الفقه في كتاب السيوطي الإكليل في استنباط التنزيل: جمع ودراسة
4. الإجماعات التي حكاها الشافعي: جمع ودراسة
5. حجية الإجماعات المبنية على علة زالت
6. قول الصحابي الذي لا مدخل فيه للرأي (دراسة استقرائية على مسائل العبادات من المغني)
7. المحدثات في بناء المساجد وأحكامها الفقهية
8. وطء الشبهة وأحكامه في الفقه والقانون
9. أحكام ولد الملاعنة في الفقه والقانون
10. حالات انتفاء النسب بلا لعان، وقياس فحص البصمة الوراثية عليها: دراسة فقهية مقارنة
11. ما رجحه المعاصرون من أقوال خارجة عن المعتمد في المذاهب السنية الأربعة: جمع ودراسة.

الجمعة، 13 سبتمبر 2019

تجديد الفقه في مجال الاجتهاد

قيام العلماء بفرض الكفاية بالاجتهاد وإعادة الاجتهاد هو الذي يضمن للفقه حيويته وجِدّته ومواكبته للعصر، وذلك أنّ الفقه في معظمه ليس شيئًا غير الحصيلة التراكميّة التي وصلتنا من اجتهادات الأجيال السّابقة، والاجتهاد بطبيعته وثيق الصّلة بالبيئة والعرف والمصالح والمفاسد والموازنة بينها في إطار الزمان والمكان الذي حصل فيه؛ وهذا يعني أنّ اجتهادات علماء كلِّ عصر تحمل في طيّاتها قدرًا من «الحمولة التاريخيّة» المرتهنة بالعصر الذي مُورست فيه تلك الاجتهادات، بحيث لا يصلح لأهل العصور اللاحقة أن يتبنّوها إلا بعد تنقيحها وفرز ما كان تاريخيًّا فيها، وتمييزه عمّا هو مطلق صالحٍ للحمل والنّقل في كلّ العصور، أو على الأقل، صالح للحمل والنّقل خلال أكثر من عصر.

وهذه «الحمولة التاريخيّة» كانت تمثِّل قدرًا ضئيلًا في اجتهادات الأجيال السّابقة، منذ عصر الصحابة، رضوان الله عليهم، إلى ما قبل عصرنا الحديث (منذ أواسط القرن الثالث عشر الهجري حتى الآن). ولذلك كان الاجتهاد المذهبي، الذي تشكّل ثمّ استمر بمرور الأجيال بعد انقطاع الاجتهاد المستقلّ، كفيلًا بمعالجة الحمولات التاريخيّة وفرزها، أي أنّه كان قادرًا على تجديد الفقه المذهبي بالتنقيح والتخريج والتصحيح والترجيح، وجعلِه ملائمًا لكلّ عصر، وافيًا بحاجات النّاس فيه، وقائمًا بمصالحهم.

وأمّا في العصر الحديث فقد اختلف الحال، وحصل ما يشبه الانفجار في التغيّرات السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة على الصعيدين المحلّي والدّولي، الأمر الذي جعل «الحمولة التاريخيّة» في الفقه الموروث تكبر أضعافًا مضاعفة بالنّسبة إلى عصرنا، مقارنة بما كانت عليه بين كلِّ عصرٍ وعصرٍ من العصور السّابقة. ومن هنا كان هذا العصر، وما سيعقبه من العصور، أحوجَ العصور إلى الاجتهاد والقيام به، للحفاظ على حيويّة الفقه وموائمته للواقع، وقدرته على الوفاء بحاجاته في مجال التشريع.

وتظهر هذه الحاجة من جهتين:

إحداهما: إعادة الاجتهاد في المسائل القديمة لتصفيتها وتمييز ما هو تاريخي فيها عمّا هو مطلق. ومن أجلى الأمثلة على ذلك الفقه السّياسي في الإسلام بشقّيه المحلّي والدّولي (فقه الجهاد والسِّيَر، وفقه السّياسة الشّرعية)، فحجم «الحمولة التاريخيّة» في هذا الفقه كبيرٌ جدًّا بالنظر إلى التغيّرات الهائلة التي طرأت على النّظام والأعراف الدّوليّة ولاسيّما بعد الحرب العالميّة الأولى والثانية ونشوء القانون الدّولي والمؤسّسات الدّوليّة اللذين باتا يحكمان العلاقات بين الدّول في السِّلم والحرب. وكذلك نشوء أنظمة الحكم الجديدة في الدّولة الحديثة التي تقوم على الفصل بين السّلطات، وتداول السّلطة، وتدخُّل الدّولة المتزايد في حياة الأفراد الاقتصاديّة والاجتماعيّة، مقارنة بالدّولة القديمة. ولذلك وجب إعادة النّظر في هذا الفقه الموروث عن الأجيال السّابقة لتنقيحه من عوالقه التاريخيّة، ثمّ البناء عليه لتأسيس فقهٍ سياسيٍّ جديد.

والجهة الأخرى: التصدّي للمستجدّات والحوادث التي لم يسبق للقدماء رأيٌ فيها، وهي كثيرة جدًّا في هذا العصر، وفي كلّ المجالات الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسّياسيّة والطّبّيّة. وحاليًّا يظهر اهتمامٌ متزايد من متفقّهة هذا العصر بالمسائل المعاصرة والمستجدّات، فما تكاد تبرز قضيّة حتّى تتوالى فيها البحوث والدراسات والرسائل، وتُعقد لها المؤتمرات والندوات. هذا فضلًا عن نشوء بعض المؤسّسات والمراكز البحثيّة الخاصّة التي تُعنى بالاجتهاد في هذه المستجدّات.

أيمن صالح ، من كتاب صناعة التفكير الفقهي، فصل صناعة التجديد الفقهي.

الأربعاء، 11 سبتمبر 2019

إيّاك والجمود الفقهي

عند تنزيل الفروع والأحكام الجزئية التي قرّرها قدماء الفقهاء على الواقع، ينبغي أن يدقِّق الفقيه المعاصر نظرَه كلَّ التدقيق في القواعد التي ساروا عليها والأُسس التي احتكموا إليها، والتي كثيرًا ما تظهر في ثنايا تعليلاتهم لتلك الفروع والأحكام، وليتجنّبِ الجمود على ذات الفروع والأحكام الجزئية، لأنّ هذه الفروع والأحكام رهينة بمعطيات الزمان والمكان التي اكتنفتها وأثّرت فيها، ولا مفرّ لمن أَخذ بها على ظاهرها، ونزّلها على الواقع المعاصر دون مراعاة سياقاتها ومُوجِّهاتها وعللها، من الوقوع في الجمود الفقهي، ومعاندة المصلحة والواقع تشبثًا بالتقليد الحرفي لألفاظ الأقدمين دون مقاصدهم، في قضايا اجتهادية ظنّيّة كانت مناسبة لزمانهم محققِّةً لمقاصد الشريعة فيه، ولكنّها الآن غير مناسبة لزماننا ولا تحقِّق مقاصد الشريعة فيه.

والأمثلة على ذلك كثيرة:

1. منها: ذكر كثير من الفقهاء أنه لا يجوز شق بطن الحامل إذا ماتت لاستخراج الجنين لحرمة جسد الميت ولان خروج الجنين حيا موهوم (وهذا تعليل اعتمد على الإمكانات الطبية في زمنهم). والأمر يختلف الآن.

2. ومنها ذكر الحنفية أنه لا يجوز تحكيم القيافة في إثبات النسب لأنها من الظن والحسبان (فقاس كثير من المعاصرين فحص البصمة الوراثية عليها) فأقاموا البصمة بمنزلة القيافة، وهو قياس مع الفارق المؤثر، لأن فحص البصمة قطعي او شبه قطعي فكان المفروض أن يقاس على القرائن القطعية التي ذكرها الفقهاء عللا لنفي النسب مثل كون الزوج خصيا لا ينجب ونحوها.

3. ومنها تقدير مسافة السفر الموجب للرخصة بأربعة برد نقلها اكثر المعاصرين حرفيا إلى81 كم أو نحوها، دون مراعاة لتطور وسائل الموصلات، وهو خطأ والمفروض مسافة هي مظنة للمشقة في الغالب.


السبت، 27 أبريل 2019

معالم في منهج التعلم عند الغزالي

الحمد لله والصّلاة
والسّلام على رسول الله، وآله، ومن والاه، وبعد:

قال الغزالي رحمه الله:

"إن تفرغت من نفسك وتطهيرها، وقدرت على ترك ظاهر الإثم وباطنه، وصار ذلك ديدنا لك وعادة متيسِّرة فيك - وما أبعد ذلك منك - فاشتغل بفروض الكفايات، وراعِ التدريج فيها، فابتدىء بكتاب الله تعالى، ثم بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم بعلم التفسير، وسائر علوم القرآن من علم الناسخ والمنسوخ والمفصول والموصول والمحكم والمتشابه، وكذلك في السنة، ثم اشتغل بالفروع، وهو علم المذهب من علم الفقه - دون الخلاف - ثم بأصول الفقه، وهكذا إلى بقية العلوم على ما يتسع له العمر ويساعد فيه الوقت. ولا تستغرق عمرك في فن واحد منها طلبًا للاستقصاء فإن العلم كثير، والعمر قصير، وهذه العلوم آلات ومقدمات، وليست مطلوبة لعينها بل لغيرها، وكل ما يطلب لغيره فلا ينبغي أن يُنسى فيه المطلوب ويُستكثر منه". إحياء علوم الدين (1/ 39).

ويؤخذ من هذا أنه، رحمه الله، يوصي بالآتي:

1. تقديم العلم لضروري (فرض العين) على التزود بفروض الكفاية من العلوم.

2. تقديم علم السلوك (تطهير النفس من الآفات الظاهرة والباطنة والتحلي بالفضائل) على طلب العلوم الكفائية.

3. مراعاة التدريج في العلوم بالأخذ بها واحدا ثم الذي يليه فلا يخلط بينها في وقت واحد ولا ينتقل من علم حتى ينتهي غرضه
من الذي قبله.

4. تقديم العلوم النقلية (القرآن والسنة) على غيرها في التحصيل.

5. دراسة علم الفقه المذهبي والابتعاد عن الفقه المقارن (الخلاف).

6. تقديم العلم بالفروع الفقهية على تعلم أصول الفقه.

7. عدم الاستقصاء في أيٍّ من هذه العلوم الكفائية، لأنها آلية ليست مقصودة لذاتها.

وأكثر ما قرره رحمه الله سديد وبعضه قابل للأخذ والرد.

الجمعة، 26 أبريل 2019

الدافعية الذاتية: أهميتها وطرق إثارتها


الحمد لله والصّلاة والسّلام على رسول الله، وآله، ومن والاه، وبعد:

هذا برنامج فيديو من إعدادي، يهدف إلى التعريف بالدافعية الذاتية للمتعلم وأهميتها في تحصيله العلمي والطرق التي يمكن للمعلم أن يثير فيها هذه الدافعية.

وهو يتكون من ثلاثة أقسام:


السبت، 20 أبريل 2019

خلاصة أقوال المعاصرين في اعتبار البصمة الوراثية في النسب إثباتًا ونفيًا

الحمد لله والصّلاة والسّلام على رسول الله، وآله، ومن والاه، وبعد:

فقد اتفق المعاصرون على أن النسب لا يثبت من الزاني بالبصمة الوراثية إذا وُلد الولد على فراش صحيح إلا أن ينفيه صاحب الفراش.

وهذا الاتفاق مستند إلى إجماع القدماء على عدم ثبوت نسب الولد من الزاني إذا نازع فيه صاحبَ الفراش لقوله صلى الله عليه وسلم: "الولد للفراش وللعاهر الحجر". متفق عليه.

واختلفوا فيما عدا ذلك من الحالات.

وهم في ذلك ثلاثة اتجاهات: موسِّعون ومضيِّقون ومتوسطون:

الاتجاه الأول: الموسِّعون: 

وهؤلاء يقولون: يجب الاعتماد على البصمة الوراثية في إثبات النسب ونفيه:

ففي مجال الإثبات تعتبر البصمة سببا حاسما في إثبات النسب عند حالات الاشتباه به كاختلاط المواليد، وحالات الوطء بشبهة،
ومجهول النسب إذا نفاه صاحب الفراش، كما تعد البصمة مانعا من ثبوت النسب بالأسباب الشرعية من فراش وإقرار وشهادة إذا دلت البصمة على عدم صحة النسب الظاهر.

وفي نفي النسب تقدم البصمة على اللعان، ولكن لا يثبت بها الزنى فلا توجب الحد، ويظل اللعان هو الأساس في درء حد القذف عن الزوج، وحد الزنى عن الزوجة.

ومن هؤلاء: سعد الدين هلالي، وسفيان بورقعة، وعارف علي عارف القره داغي.

والاتجاه الثاني: المضيِّقون:

وهؤلاء يقولون: لا يجوز الاعتماد على البصمة الوراثية إثباتا أو نفيا إلا في حالات اشتباه النسب كاختلاط المواليد، وحالات الوطء بشبهة. وهذا الرأي منسجم مع رأي جمهور الفقهاء القدماء في إثبات النسب بالقيافة (الشَّبَه بين الوالد والولد).

وهو رأي أكثر المعاصرين. وعليه قرارا مجمع الفقه الإسلامي الدولي، والمجمع الفقهي الإسلامي.

والاتجاه الثالث: المتوسِّطون:

وهؤلاء طبقات:

فمنهم من قال: لا يجوز الاعتماد على البصمة في إثبات النسب إلا فيما تجوز فيه القيافة، ويجوز الاعتماد عليها في نفي النسب فتُقدَّم على اللعان. وهو رأي محمد المختار السلامي، وعليه فتوى وزارة الأوقاف الكويتية رقم 54 لعام 1996م.

ومنهم من قال: لا يجوز الاعتماد على البصمة في إثبات النسب إلا فيما تجوز فيه القيافة، ويجوز الاعتماد عليها في نفي النسب إذا كان إجراؤها بطلب من الزوجة لا من الزوج فتُقدم على اللعان حينئذ. وعلى ذلك رأي القرضاوي.

ومنهم من قال تُقدم البصمة في الإثبات على جميع أسباب ثبوت النسب إلا الفراش، وتقدم في النفي على اللعان. وهو رأي محمد جبر الألفي، ومحمد نعيم ياسين.