أستاذ الفقه وأصوله

أستاذ الفقه وأصوله
كلية الشريعة
جامعة قطر

الثلاثاء، 18 فبراير 2020

واقع التّجديد الفقهي المعاصر وتقييمه

مرّ الفقه الإسلامي بعد وفاة، النبي، صلى الله عليه وسلم، بأدوار عدّة يتفاوت كُتّاب تاريخ الفقه في عَدِّها وتسميتها. ويمكنني أن أحصرها في ثلاثة أدوار رئيسة وأختار لها الأسماء الآتية: 

1. دور الاجتهاد وانتشار الفقه. 

2. دور التقليد المذهبي وتحرير الفقه. 

3. دور انحسار التقليد المذهبي وإقصاء الفقه.

الأوّل: دور الاجتهاد وانتشار الفقه: ويمتدّ منذ عصر الصحابة، رضوان الله عليهم، إلى نهاية ظهور أئمّة الاجتهاد المطلق أواسط القرن الثالث الهجري تقريبًا، كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وأقرانهم من أئمّة الأمصار كسفيان والليث والأوزاعي وإسحاق وأبي ثور وداود ونحوهم، رحم الله الجميع. وهذا هو العصر الذهبي للفقه.

الثّاني: دور التقليد المذهبي وتحرير الفقه: ويمتدّ منذ بدء تشكُّل المدارس المذهبية أواسط القرن الثالث الهجري إلى ما قبل عهد سقوط الخلافة العثمانية والاحتلال الأجنبي لأكثر دول المسلمين في أواسط القرن الرابع عشر الهجري/ نهاية الربع الأول من القرن العشرين الميلادي.

وفي هذا الدور تشكّلت المدارس الفقهيّة المذهبيّة الأربعة واستقرّت شيئًا فشيئًا، وتُرك الاجتهاد المطلق، ولم يُسلَّم به لمن ادّعاه، بينما ازدهر «الاجتهاد المذهبي» بتحرير أقوال أئمّة الاجتهاد وأصحابهم والتخريج عليها، إلى أن بدأ يضمحلّ هذا النوع من الاجتهاد في أواخر هذا الدور. قال ابن خلدون (ت 808هـ) رحمه الله: 

«ووقف التّقليد في الأمصار عند هؤلاء الأربعة، ودَرَسَ المقلِّدون لمن سواهم. وسدّ النّاسُ باب الخلاف وطرقه لـمَّا كثر تشعّب الاصطلاحات في العلوم، ولما عاق عن الوصول إلى رتبة الاجتهاد، ولما خشي من إسناد ذلك إلى غير أهله، ومن لا يوثق برأيه ولا بدينه، فصرّحوا بالعجز والإعواز، وردّوا النّاس إلى تقليد هؤلاء كلُّ من اختصّ به من المقلّدين، وحظروا أن يُتداوَل تقليدُهم لما فيه من التّلاعب، ولم يبق إلّا نقل مذاهبهم، وعَمَلُ كلِّ مقلّد بمذهب من قلّده منهم بعد تصحيح الأصول واتّصال سندها بالرّواية. لا محصول اليوم للفقه غير هذا. ومدّعي الاجتهاد لهذا العهد مردودٌ على عقبه، مهجورٌ تقليدُه، وقد صار أهل الإسلام اليوم على تقليد هؤلاء الأئمّة الأربعة»([1]). 

الثّالث: دور انحسار التقليد المذهبي وإقصاء الفقه: ويمتدّ منذ سقوط الخلافة العثمانيّة والاحتلال الأجنبي لأكثر دول المسلمين في أواسط القرن الرابع عشر الهجري/ نهاية الربع الأول من القرن العشرين الميلادي إلى الآن.

وقد ميَّز هذا الدور أمورٌ ثلاثة:

أحدها: إلغاء تطبيق الشريعة والفقه الإسلامي في معظم دول المسلمين وإحلال القوانين الوضعيّة مكانها. وقد كان هذا - ولا يزال - من أعظم القواصم التي ضربت الفقه الإسلامي على مرّ التاريخ فأصابته في مقتل، بأن أدّت إلى وقفه عن النموّ في المجالات العامّة، وعزله عن تسيير شؤون الحياة في أكثر نواحيها.

والأمر الثاني الذي ميّز هذا الدور: انتشار التعليم النظامي غير الشرعي، وشدّة إقبال النّاس عليه، وتأخُّر مكانة التّعليم الشرعي، ومنه تعليم الفقه، إلى مراتب متأخِّرة في سلّم الاهتمام في أكثر المجتمعات الإسلاميّة.

والأمر الثالث: انحسار التقليد المذهبي المغلَق شيئًا فشيئًا، وبروز ظاهرة الاجتهاد الجزئي المستقلّ الفردي والجماعي، في المسائل القديمة والحادثة على حدٍّ سواء، والقبول العام للتقنين الملفّق من آراء المذاهب الأربعة وغيرها. وهذا كان لأسباب كثيرة. من أهمّها: 

1. تخلي السلطة السياسيّة عن تبنّي الفقه المذهبي الذي كانت له الهيمنة سابقًا في القضاء، واستبداله بالقوانين الوضعية أو القوانين الملفّقة من المذاهب.

2. ضعْف - ثمّ انتهاء - اعتماد مُدرِّسي الفقه في أرزاقهم على الوقف المذهبي في مراكز التعليم وتولّي الدولة الحديثة لذلك.

3. جمود الفقه المذهبي نفسه وتوقّفه عن النموّ الداخلي بالتخريج والترجيح منذ أواخر الدّولة العثمانيّة، ممّا جعله عاجزًا عن استيعاب المحدثات.

4. اشتداد دعوات نبذ التقليد المذهبي - ولا سيّما المغلق - من جهتين: إحداهما: الاتجاه الإصلاحي ورموزه مثل محمد عبده ومحمد رشيد رضا. والجهة الأخرى: الاتجاه السّلفي، كالحركة الوهابيّة وجماعة إحياء السنّة المحمّديّة وغيرهم. وقد كان أنصار التمذهب يدركون مدى تأثير هذه الدعوات في إضعاف المذهبية كما يدل عليه ما رُوي عن عبد العزيز العلجي المالكي (ت 1362هـ) أحد أنصار المذهبيّة أنّه عندما كان يأتي في دروسه على ذكر السّيّد صدّيق حسن خان القنّوجي - ممثِّلا للمدرسة السّلفية - والشيخ محمد رشید رضا - ممثِّلا للمدرسة العقلانية أو الإصلاحيّة - يقول عنهما: «إنّ الأول - يعني صديق حسن خان - فتح ثغرةً في جدار الإسلام [؟!]، والآخر - يعني محمد رشید رضا - دخل بجيوشه»([2])؟!

5. بَدْءُ التأليف في تاريخ الفقه على نحوٍ مستقلٍّ على يدي الشيخين محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي الفاسي (ت ۱۳۷۹ه) وقد فرغ من تأليف جلّ كتابه «الفكر السامي في تاریخ الفقه الإسلامي» في سنة ۱۳۳۹هـ/ ۱۹۱۸م، والشيخ محمد الخضري بك (ت 1395ه) في كتابه «تاريخ التشريع الإسلامي» الذي صدر عام 1341هـ/۱۹۲۰م([3]). وقد أثَّر هذان الكتابان في غالب الكتب التي كُتبت بعدهما في تاريخ الفقه. وفي الكتابين نقدٌ مرير للجمود المذهبي الذي آل إليه حال الفقه في أواخر عصر التقليد، ودعوةٌ قويّة إلى تجديد الفقه وإحيائه بالاجتهاد، وإلى استبدال المؤلّفات المذهبية التقليديّة بالتأليف العصري، فتوارث كُتّاب تاريخ الفقه - الذين صارت تُدرّس كتبهم مداخلًا للفقه في معظم مراكز التعليم الفقهي في العصر الحديث - نقدَ عصر التقليد عن هذين الكتابين، ممّا ولد نظرة سلبية لدى غالب متعلمي الفقه في هذه الأعصار تجاه الجمودِ على التقليد المذهبي، وتجاه القولِ بسدّ باب الاجتهاد.

6. نشوء المدارس والكُّلّيّات والجامعات الشرعيّة الحديثة التي تتبنى في أكثرها أنظمة معاصرة غير تراثيّة في إدارة التعليم تحدِّد مُددًا زمنية قصيرة للدراسة، لا تتناسب مع تدريس الفقه في صورته المذهبية المتسلسلة في مستوياتها من المتن المختصر إلى الوسيط وأخيرًا الموسّع.

تقييم التجديد الفقهي في الوقت المعاصر

رائدا الكتابة استقلالًا في تاريخ الفقه الشيخان الحجوي والخضري لم يرصدا في تحقيبهما لتاريخ الفقه دورَه الأخير/المعاصر، الذي بات يُعرف في كثير من كتب تاريخ الفقه بعدهما بدور "النهضة الفقهية"، وذلك لأنّ هذا الدور لم يكن قد بدأ في زمنهما بعد. وقد عدلنا عن تسمية هذا الدور بـ "النهضة الفقهية" إلى تسميته بدور "انحسار التقليد وإقصاء الفقه"، في التحقيب الذي ذكرناه آنفًا، إشعارًا بعدم الرضا عن وصفه بدور «النّهضة الفقهيّة» لما في ذلك من مبالغة مفرطة من وجهة نظرنا؛ إذ كما اعترت الفقه مظاهر إيجابيّة في هذا الدور فقد اعترته أخرى سلبية تكاد تعادل في خطورتها المظاهر الإيجابيّة أو ربّما تربو عليها. 

فمن أهمّ المظاهر الإيجابيّة ما يأتي:

1. اضمحلال التعصُّب المذهبي الذي لطّخت آثارُه السّلبيّة عصورَ التقليد ولاسيّما المتأخّر منها؛ «إذ أصبح الانفتاح على المذاهب جميعًا من سمات الفقيه المعاصر» كما يقول الشيخ مصطفى الزرقا، رحمه الله([4]).

2. تقنين الفقه من غير التقيُّد بمذهب معيّن، ولاسيّما في مجال الأسرة، في كثير من البلاد الإسلامية. وهذا - فضلًا عن توحيد المرجعيّة القضائيّة في البلد الواحد - أعطى الفقه مرونةً أكبر في استيعاب مستجدّات الحياة وتنظيمها بحسب ما تقتضيه المصالح، مع عدم التفريط بالانضباط القضائي الذي كان يضمنه الالتزام المذهبي قبل التقنين.

3. انتشار الدّراسات المتخصِّصة (الجزئيّة) المقارنة، سواء بين المذاهب الفقهيّة نفسها، أو بينها وبين القوانين الوضعيّة.

4. انتشار الدّراسات التي تبحث في تاريخ الفقه والعوامل المؤثّرة فيه، وكيفيّة تجديده، الأمر الذي شكّل فرعًا جديدًا من العلوم الفقهيّة يمكن تسميته بـ «فلسفة الفقه» على غرار العلوم الأخرى.

5. تحقيق مخطوطات فقهيّة كثيرة وطباعتها، ولاسيّما كتب المتقدّمين من الفقهاء. 

6. زيادة الاهتمام بعلم أصول الفقه تعليمًا وتأليفًا.

7. ظهور فروع جديدة من العلوم الفقهيّة وانتعاشها تأليفًا واهتمامًا وأخصّ بالذكر علم مقاصد الشريعة.

8. تحديث أشكال التأليف الفقهي كالتأليف الموسوعي المعجمي وتنظير الفقه.

9. ظهور البرامج الحاسوبية التي خدمت علوم الشريعة بعامّة ومنها الفقه، وقرّبتها لطلبة العلم والباحثين، ويسرت تعاملهم مع كتب الفقه من حيث سهولة اقتنائها، ويسر كلفتها، وسرعة الوصول إلى المعلومة فيها.

10. انتشار الاجتهاد الجزئي في تناول المستجدّات العصرية وإعادة الاجتهاد في مسائل قديمة في ضوء المعطيات العصرية.

11. إحياء طريقة الاجتهاد الجماعي عن طريق العمل المؤسّسي وعقد الندوات والمؤتمرات، وهذا لم يكن متيسّرًا فيما مضى. 

12. جسر الهوة بين علم الفقه وعلم الحديث إلى حدٍّ بعيد حتى أضحت الدراسات الفقهيّة المعاصرة تتجنّب الاعتماد في الاستدلال على الأحاديث الموضوعة والواهية، وتهتم بتخريج الحديث وبيان درجته من الصّحّة والحسن والضعف.

ومن أهم المظاهر السّلبية:

1. وهو أهمّ هذه المظاهر: إقصاء الفقه عن تنظيم الحياة واستبداله بالقوانين الوضعية في أكثر بلاد المسلمين كليًّا أو جزئيًّا، ممّا جعل الفقه لا ينمو ولا ينتعش في المجالات التي نظّمها القانون الوضعي، كمجال القانون الجنائي والتجاري والدستوري والإداري والقضائي ونحو ذلك.

2. قلّة إقبال طلبة العلم المميّزين ذكاءً واجتهادًا على دراسة الفقه - والعلومِ الشرعيّة بعامّة - في أكثر البلاد الإسلاميّة، وانصرافُهم إلى دراسة العلوم الدنيويّة التي تبوّأت مركز الصّدارة في الاهتمام، بسبب وفرة الوظائف لها، وارتفاع العائد المادّي من ورائها، بينما احتلّت علوم الشريعة مراتب متأخِّرة إن لم تكن الأخيرة. وهذا أدّى إلى أن يشتغل بالعلوم الشرعيّة في الغالب الضعفاء - أو ربّما المتوسطون - من الطلبة من حيث الموهبة العقليّة، والقدرة على المثابرة في التحصيل العلمي. ومن ثَمَّ ضعُف الإبداع في وسط المشتغلين بالفقه رغم كثرتهم، وبدا الضعف واضحًا في مخرجاتهم العلميّة من بحوث ورسائل ومؤلّفات إلا من شذّ منهم.

3. ضعف التعليم الشرعي ومخرجاته مقارنة بالعصور الماضية بما فيها عصور التقليد المتأخّرة، رغم كل مظاهر التطوّر التي أُدخلت على التعليم الشرعي من حيث حداثة المؤلّفات ووسائل التدريس. وقد رصدنا في دراسة مفصّلة([5]) سببين رئيسين لذلك: هما: الأول: قلة إقبال الأذكياء من الطلبة على دراسة العلوم الشرعيّة، كما أشرنا إليه في النقطة السابقة، والسبب الثاني: سوء مناهج التعليم وطرق التدريس، ولسوء المناهج مناحي كثيرة بينّاها في الدراسة المذكورة. يقول الشيخ علي الطنطاوي (ت1420هـ)، رحمه الله، الذي شهد تحوّل الأزهر من النظام التعليمي القديم إلى الحديث: 

«أمَّا التعليم الدّيني فلنعد فيه إلى مثل الطريقة الأزهريّة الأولى مع إصلاحٍ يسير فيها، فقد ثبت أنّها أنفع وأجدى، دنيا وأخرى، وأنَّ تلك الثورة عليها حتّى تمّ العدول عنها، والقضاء على الجامعة الأزهريّة، كان فيها إغراقٌ أدركناه الآن. وأنا أعرف الأزهر الجديد وأعرف كلِّيَّاتٍ ثلاثًا أُنشئت على غراره في دمشق وبغداد وبيروت عَمِلت فيها كلِّها، وأشهد لله شهادةَ حقّ أنَّ الأزهر القديم كان في الجُملَة خيرًا منها؛ إذ كان أهله يطلبون العلم لله وللعلم، فصار أهلها يطلبونه للشّهادات والوظائف، وكانوا يصبرون على تلك الحواشي المطوَّلات وإن تكن عقيمات، فصار هؤلاء لا يقرؤون إلا خلاصات يجوزون بها الامتحانات. وكانوا علماء عاملين لدينهم أهل تقىً وورع في سمتهم وسلوكهم، وسرّهم وعلنهم، فصار بعض المدرِّسين وأكثر التلاميذ، صاروا على حالٍ من عَرفها فقد عرفها، ومن جهِلها فلا يسأل عن الخبر»([6]).

4. فوضى الإفتاء والاجتهاد وكثرة المتقحّمين أسوار الشريعة على نحو لم يكن يحدث من قبل، حتّى صار يتكلّم في الشريعة والفقه والفتوى الفلاسفة والأدباء والمبتدئون في العلم وغير المؤهّلين. ولهذه الظاهرة أسباب: من أهمّها: إهمال أكثر الدول الحديثة الشريعةَ، وتهاونُها في صيانتها؛ ولذلك لم تعتن بزجر من ليس أهلا للإفتاء والاجتهاد أن يفتي ويجتهد في أمور الدين. ومنها: انحسار التقليد المذهبي في هذا العصر ممّا أدّى إلى تجرؤ كثيرين على الاجتهاد وهم ليسوا له بأهل. ومنها: سهولة نشر الأفكار في هذا العصر مقارنة بالعصور السالفة بفضل وسائل الاتصال الحديثة، ولاسيّما الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.

فلهذه المظاهر السلبية، وغيرها، لا يَسْلم وصفُ هذا العصر بأنّه عصر تجديد فقهي ونهضة فقهيّة من مبالغة، ولا سيّما أنّ التجديد يعني، في أكثر ما يعنيه، نشرَ التطبيق والالتزام والاهتمام بأحكام الفقه، وهذا العصر من هذه الناحية هو أبعد العصور عن تطبيق الفقه وتعليمه للعامّة على مرّ التاريخ الإسلامي كلّه.

ومن هنا فإنّ قول بعضهم: إنّ الفقه الإسلامي يعاني أزمةً في هذا العصر إن كان يقصد به عدم قدرة الفقهاء المعاصرين على مواكبة المستجدات وعقم الفقه عن استيعابها فهذا من أبطل الكلام، وإن كان يقصد به ابتعاد الفقه عن الحياة والتطبيق والتعليم في أكثر الدول الحديثة فهذا حقٌّ لا يُنكر. 

فأزمة الفقه في هذا الزمان هي أزمة تنفيذ لا أزمة توليد، وأزمة توزيع لا أزمة إنتاج، وأزمة إبعاد لا أزمة اجتهاد. يقول الشيخ البوطي، رحمه الله، في جواب على السؤال: «لماذا لا يقدِّم المسلمون نموذجًا مثاليًّا للاقتصاد والسياسة وما إلى ذلك تسير الأمّة عليه؟»:

«النموذج موجود، لكن موضوع على الرّفوف...النموذج موجود، لكن مع الأسف غير مطبَّق، فيمكن أن يكون السؤال بشكل آخر: لماذا لا تكون الأحكام والمبادئ والشرائع الإسلاميّة التي تتكفَّل بحل مشاكل المسلمين موضع حدّ التنفيذ؟ هذا السؤال بهذا الشكل وارد. نقول: في هذه الحالة؛ لأنّ قادة المسلمين أكثرهم موظّفون لدى القوى الكبرى التي تفرض منهجًا معيّنًا على عالمنا العربي والإسلامي، ولأن ّكثرة كاثرة من النّاس في مجتمعاتنا، سواء كانوا قادة أو شعوبًا غير مقتنعين - رغم أنّهم مسلمون - غير مقتنعين بالحلول الإسلاميّة الموجودة على الرفوف، هذا هو السّبب»([7]).

بقي أن نشير إلى أنّ الدّول المستعمِرة (المحتلّة) لأكثر الدول الإسلامية في أواخر عهد الدولة العثمانيّة ساهمت كثيرًا، عن طريق جيشها الناعم من المستشرقين، في ترويج مقولة جمود الفقه وعقم الشريعة ليقنعوا السياسيين والمثقفين من المسلمين بنبذ الفقه وتبني القوانين الغربية في الحكم كما يوضِّح ذلك وائل حلاق في كتابه عن السلطة المذهبية([8]).

[المقال مقتبس من: أيمن صالح، صناعة التجديد الفقهي، فصل في كتاب صناعة التفكير الفقهي، صدر عن مركز تكوين للدراسات والنشر، لندن، 2019م/1440هـ، ص325-381].

________________________________________________
([1]) تاريخ ابن خلدون، ابن خلدون، 1/566.

([2]) المناهج الفقهية المعاصرة: عرض وتحليل، العرفج، 25.

([3]) فقه تاريخ الفقه، الرومي، 76.

([4]) فتاوى مصطفى الزرقا، الزرقا، 370.

([5]) "ضعف خريجي كليات الدراسات الشرعية: أهم الأسباب والحلول الممكنة في ضوء أدبيات التعليم في تراثنا التربوي"، صالح، 10.

([6]) "أسلوب جديد في التعليم". الطنطاوي. مجلة الرسالة، عدد 655 (1946هـ/1365م).

([7]) "الإحياء والتجديد في الإسلام في نظر الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي"، تمورتاش. https://www.naseemalsham.com/ar/Pages.php?page=readviestor&pg_id=55752&page1=1.

([8]) السلطة المذهبية التقليد والتجديد في الفقه الإسلامي، حلاق، 8.

السبت، 25 يناير 2020

عناوين مقترحة لبحوث أو رسائل في الفقه وأصوله


  1. مخالفات ابن رشد للغزالي: جمع ودراسة
  2. أصول الفقه المتفق عليها بين المذاهب الأربعة
  3. أصول الفقه المختلف فيها بين المذاهب الأربعة
  4. أصول الفقه عند ابن رشد الجد (أشار إلى كثير منها في كتابه المقدمات الممهدات)
  5. مناحي التجديد في أصول الفقه عند ابن الوزير
  6. القيود التي قيل إنها خرجت مخرج الغالب في آيات وأحاديث الأحكام: جمع ودراسة
  7. ما اجتمع عليه الخلفاء الراشدون من الاحكام مما لا نص فيه: جمع ودراسة
  8. فقه عيسى بن أبان وأثره في الفقه الحنفي (هناك رسالة حول آرائه الأصولية)
  9. تعذيب الإنسان والحيوان في الفقه الإسلامي والقانون: دراسة مقارنة
  10. استدراكات حلولو المالكي على القرافي في شرح التنقيح
  11. المسائل الأصولية المتعلقة بالعدد في خطاب الشارع وتطبيقاتها

الخميس، 19 ديسمبر 2019

قاعدة مهمّة في طلب العلم: خمسة أسباب ترجِّح الرّضى بعدم الفهم على تطلُّب الفهم


أو بعبارة أخرى: خذ ما تفهم الآن، ودع عنك ما يصعب فهمُه إلى حينه. 

يجهد بعض المتعلِّمين في محاولة فهم كلّ كبيرة وصغيرة في الدرس الذي يسمعه، أو الكتاب الذي يقرؤه، ظانًّا أنّ هذه هي سبيل التعلُّم الأمثل. وهذا لو تُؤمِّل لوُجِد ضارًّا بحال أكثر المتعلِّمين لأسباب عدّة: 

أولًا: أنّه يؤخِّر التقدُّم في التعلُّم كثيرًا، ويطوِّل سبيله؛ إذ بعض المسائل أو الأفكار أو الأقوال قد تحتاج إلى ساعات أو أيام أو أسابيع أو حتى شهور، من الجهد والبحث والسؤال لأهل الاختصاص حتى تُفهم حقّ الفهم على مراد واضعيها. ومَثَلُ الواقف عند هذه المسائل في الوصول إلى الغرض من العلم المدروس أو الكتاب المقروء، ومَثَل المعرِض عنها، كمثل السلحفاة والأرنب إذا تسابقا من غير أن ينام الأرنب في الطريق. 

السبب الثاني: أنّ فهم مثل هذه المسائل غالبًا ما يعتمد على فهم مسائل أخرى تمهيدية لم يمرّ بها المتعلم بعدُ بسبب ضَعف طُرُق التعليم لعدم مراعاتها مبدأَ تدرُّج المسائل والعلوم، كما هو الحال في أكثر الجامعات التي تدرِّس بنظام الساعات، أو بسبب سوءِ وضع الكتاب المقروء واختلال ترتيبه، ولكنّ المتعلِّم سيمرّ بهذه المسائل التمهيدية لاحقًا في الدروس، أو فيما يستقبله من فصول الكتاب. وعليه، فكثير من المعضلات التي قد يواجهها طالب العلم في مُبتدَأ حضور الدروس، أو مستهلّ الخوض في دراسة علم من العلوم، أو كتاب من الكتب، تنكشف له شيئًا فشيئًا مع تقدُّمه في الدروس أو مضيه في القراءة، أي أنّه سيفهمها بأثرٍ رجعي، دون الحاجة إلى بذل كثير من الجهد ابتداءً. 

السبب الثالث: أنّ محاولة المتعلِّم فهمَ كلِّ كبيرة وصغيرة يورثه الملال نظرًا للمشقة التي يجدها في ذلك، ولاسيما إذا لم يجد من يسعفه بالشرح والتفهيم عاجلًا. وهذا من شأنه أن يُقلِّل من مستوى حماسه ودافعيته للتعلُّم بمرور الوقت، وغالبًا ما يؤدي به إلى الانقطاع عن التعلم أو عن قراءة الكتاب بعد أن كان متحمِّسا لذلك منذ البداية. 

السبب الرابع: أنّ التوقُّف عند هذه المسائل بحثًا عمّا - أو عمّن - يشرحها ويُفهمُها يقطع تتابع العلم، ويشتِّت الطالب، وزملاءه في الدرس، ويُزعج المعلِّم، ويصرف عن مواصلة قراءة الكتاب. وداءُ العِلم تركُ المتابعة والمولاة وفقدُ التركيز بالانصراف إلى غير ما المتعلم بصدده من واضح المسائل التي هي جوهر العلم ومعظمُه، إلى معلِّم آخر يسأله، أو كتاب آخر يطرقُه، أو متصفِّحٍ إنترنتيٍّ يُجوجله. وتركُ الموالاة إذا كان مُفسدًا الوضوءَ والصّلاةَ قاطعا لهما فإنّه لبناء العلم أفسد وعنه أقطع. 

السبب الخامس: أنّ كثيرًا ممّا يوقف عنده كثيرًا لصعوبته وإشكاله في الدروس والكتب ولاسيما كتب أصول الفقه، يكون متعلِّقًا بفكرة هامشية غير ذات جدوى في العلم، أو مجرّد استطراد في علم آخر، كالمنطق أو الكلام، أو متعلِّقًا بفكّ عبارة لماتنٍ أو شارحٍ أو مُحشٍّ لم يحسن صوغَها، أو تكون مصحّفة في نسخها أو طباعتها. ولو وُزِنت الفائدة المجتناة من فهم مثل هذه المسائل، وحلِّ هذه الإشكالات بالتعب المبذول في فهمها وحلِّها الذي لو صُرف في فهم مسائل أخرى يسيرة الفهم ولكنها ذات أهمية وأثر في تحصيل ثمرة العلم أو حَوْز زبدة الكتاب المدروس، لكانت هذه الفائدة تافهة بل في غاية التفاهة. فالكسب العلمي أو النفسي الذي يُتحصَّل عليه مَنْ فَهِم هذه المسائل، وحَلّ هذه الإشكالات، لا ينبغي أن يُنظر إليه بمعزل عن الخسارة التي نتجت عن ضياع الجهد والوقت ومن ثم فوات تحصيل مكاسب أخرى أهم. وهو ما يُطلق عليه في علوم الاقتصاد والمال: "الفرصة الضائعة". 

والخلاصة: لا تهتمَّ كثيرًا بما يفوتك فهمُه في درسٍ تحضره، أو كتابٍ تقرؤه، إذا كان المفهومُ عندك من هذا الدرس أو هذا الكتاب أكثر من غير المفهوم، أو كان غير المفهوم هامشيًا؛ وإذا اضطررت إلى قراءة كتب المتأخّرين - ولا أنصح بها - فاقتصر على الشرح ولا تلتفت إلى الحواشي، لأنّه سياتي عليك وقتٌ تفهم فيه ما فاتك فهمه إذا قطعت شوطًا في العلم ورسخت قدمك فيه. وخذ بما قاله تعالى في توجيه المؤمنين في كيفية التعامل مع المتشابهات: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ} أي فاشتغل بهنّ عِلمًا وعملًا {وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} فاتركهن الآن؛ لأنّه: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} فقاصد فهم ما لم يتأهّل بعدُ لفهمه زائغٌ ضلَّ الطريق؛ لأنّه إمّا أن يكون باغيًا الفتنة بترويج تأويله الخطأ وفهمه السقيم متابعةً للهوى لا للحقّ، وإمّا جاهلًا يريد أن يتزبَّب قبل أن يتحصرم. فهذه المتشابهات لا يعلمها حقّ العلم إلا قائلها سبحانه وتعالى، ثمَّ من يتركها حتى يرسخ في العلم فيفتح الله عليها بفهمها على وجهها ليكون من الذين {يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ}[آل عمران: 7]. وهذا على رأي من يجعل الوقف في الآية بعد عبارة "الراسخون في العلم" لا قبلها.

الجمعة، 29 نوفمبر 2019

هل يُعذر المخطئ في اجتهاده في الأصول والفروع؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وآله ومن والاه، وبعد:
فإذا اجتهد شخص وُسْعَه في الوصول إلى الحق فأخطأه فهل يُعذر في اجتهاده هذا عند الله تعالى أو لا؟
يذكر الأصوليون هذه المسألة في باب الاجتهاد والتقليد من كتب الأصول. والمحكي فيها أقوال ثلاثة: طرفان وواسطة:

القول الأول: لا يُعذر من اجتهد فأخطأ الحق، سواء في مسائل الأصول أو الفروع. وهؤلاء هم "المؤثِّمة". ويُعزى هذا القول إلى بشر المريسي من المعتزلة وإلى الإمامية والظاهرية.

القول الثاني: يُعذر من اجتهد فأخطأ الحق، سواء في الأصول أم الفروع. وأصحاب هذا المذهب على طبقتين:

  • الأولى: خصوا ذلك بالمسلمين، ويعزى ذلك إلى عبيد الله بن الحسن العنبري القاضي (قال ابن حبان: من سادات البصرة فقها وعلما توفي 168ه) ومما يُروى عن العنبري قوله في القدرية: "أنهم نزهوا الله" وفي الجبرية: "أنهم عظموا الله". ومال إلى رأيه هذا ابن تيمية. قال، رحمه الله (منهاج السنة النبوية 5/ 87): "والقول المحكي عن عبيد الله بن الحسن العنبري هذا معناه أنه كان لا يؤثِّم المخطئ من المجتهدين من هذه الأمة: لا في الأصول ولا في الفروع. وأنكر جمهور الطائفتين من أهل الكلام والرأي على عبيد الله هذا القول. وأما غير هؤلاء فيقول: هذا قول السلف وأئمة الفتوى، كأبي حنيفة والشافعي والثوري وداود بن علي وغيرهم، لا يؤثمون مجتهدا مخطئا لا في المسائل الأصولية ولا في الفروعية، كما ذكر ذلك عنهم ابن حزم وغيره. ولهذا كان أبو حنيفة والشافعي وغيرهما يقبلون شهادة أهل الأهواء، إلا الخطابية، ويصححون الصلاة خلفهم. والكافر لا تقبل شهادته على المسلمين، ولا يصلى خلفه. وقالوا: هذا هو القول المعروف عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان وأئمة الدين: إنهم لا يكفرون ولا يفسقون ولا يؤثمون أحدا من المجتهدين المخطئين، لا في مسألة عملية ولا علمية".

    ويدل عليه أيضا قول ابن حزم، رحمه الله (الدرة فيما يجب اعتقاده ص414): "ومن بلغه الأمر عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من طريق ثابتة، وهو مُسلِم، فتأول في خلافه إياه، أو ردَّ ما بلغه بنص آخر، فما لم تقم عليه الحجة في خطئه في ترك ما ترك، وفي الأخذ بما أخذ، فهو مأجور معذور، لقصده على الحق، وجهله به، وإن قامت عليه الحجة في ذلك فعاند، فلا تأويل بعد قيام الحجة ".

    وقال الشوكاني، رحمه الله: "اعلم أن ما صح عنه ﷺ من أن المصيب في اجتهاده له أجران وللمخطئ أجر لا يختص بمسائل العمل ولا يخرج عن مسائل الاعتقاد. فما يقوله كثير من الناس من الفرق بين المسائل الأصولية والفروعية، وتصويب المجتهدين في الفروع دون الأصول ليس على ما ينبغي بل الشريعة واحدة وأحكامها متحدة وإن تفاوتت باعتبار قطعية بعضها وظنية الآخر، فالحق عند الله عز وجل واحد متعين يستحق موافقة أجرين ويقال له مصيب، من الصواب ومن الإصابة، ويقال لمخالفه إنه مخطئ كما قال النبي ﷺ فيما ثبت عنه في الصحيحين وغيرهما  من حديث عمرو بن العاص إن اجتهد فأصلب فله أجران وإن اجتهد فأخطأ فله أجر".
  • والطبقة الثانية: جعلوا هذا عاما حتى في أهل الملل الأخرى غير المسلمين. ويعزى هذا الرأي إلى الجاحظ، ومال إليه الطوفي الحنبلي ومما قال، رحمه الله: (شرح مختصر الروضة 3/ 610): "هذا إلزام ألزم الناس الجاحظ به على مقالته، وهو أن يلزمه رفع الإثم والوعيد عن كل كافر؛ من منكري الصانع، والبعث والنبوات، واليهود والنصارى، وعبدة الأوثان الذين قالوا: {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى}، لأن اجتهادهم هو الذي أداهم إلى ذلك. قوله: «وله منع أنهم استفرغوا»، إلى آخره. هذا الاعتذار للجاحظ عن هذا الإلزام. وتقريره: أن للجاحظ أن يمنع أن هؤلاء الكفار «استفرغوا الوسع في طلب الحق» ، أي: لا نسلم أنهم بذلوا المجهود المعتبر لمثلهم في مثل مطلوبهم، فكانوا مفرطين مقصرين، فكان «إثمهم على ترك الجد» والاجتهاد الواجب عليهم، لا على مجرد الخطأ، بل منهم من عاند مع اتضاح الحق له، كما أخبر الله، عز وجل، عن أهل الكتاب بقوله تعالى: {وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم} وقوله، عز وجل: {الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون}، فالكفار إذن طائفتان: معاند ومقصر في الاجتهاد، فعوقبوا لعنادهم وتقصيرهم، ونحن إنما نعذر من اجتهد غاية وسعه فلم يدرك وخلا عن العناد، فظهر الفرق. قلتُ: ومنذ خطر لي هذا الاعتذار عن الجاحظ، كان يغلب على ظني قوته، وإلى الآن والجمهور مصرون على الخلاف، ولا يتمشى لهم حال إلا على القول بتكليف المحال لغيره، وتساعدهم ظواهر النصوص، نحو قوله، عز وجل: {ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار}، فتوعدهم بالنار على كفرهم، ولم يعذرهم بالخطأ، وعلى الآية اعتراضات لا تخفى. وبالجملة؛ الجمهور على خلاف الجاحظ، والعقل مائل إلى مذهبه".
القول الثالث: يُعذر من اجتهد فأخطأ الحق في الفروع دون الأصول. وهو القول المعزوّ إلى الجمهور، وبعضهم نقل فيه الإجماع!.
والله أعلم بالصواب.

الخميس، 28 نوفمبر 2019

عناوين مقترحة للبحوث والرسائل في الفقه وأصوله

  1. أراء الجاحظ في الفقه والأصول: جمع ودراسة
  2. التجديد في الفقه وأصوله عند محمد مصطفى شلبي
  3. ما قيل بحمله على الإمامة من تصرفات النبي صلى الله عليه وسلم: جمع ودراسة
  4. آراء مجتهدي السلف التي لم يقل بها أحد من أئمة المذاهب السنية الأربعة: جمع ودراسة (يمكن في هذا البحث تتبع كتاب "رحمة الأمة في اختلاف الأئمة" حيث ذكر خلاف غير الأربعة إذا اتفقوا)
  5. اختلافات المزني مع الشافعي: جمع ودراسة
  6. المسائل التي وافق فيها المذهب الحنبلي مذهب أهل الرأي (الحنفية) وخالف مذاهب أهل الحديث (المالكية والشافعية): جمع ودراسة
  7. مناهج التأليف في الاختلاف الفقهي حتى نهاية القرن الخامس الهجري
  8. محدثات السلف (القرون الثلاث الأولى) في باب العبادات: جمع ودراسة
  9. التأليف الأصولي في العصر الحديث (الثالث والرابع عشر الهجري): مناهج ومعالم
  10. أصول الفقه الذي لا يسع الفقيه خلافه (قطعيات الأصول)
  11. المسائل التي زعم ابن عبد البر الإجماع فيها خطئا : جمع ودراسة
  12. المسائل التي زعم ابن المنذر الإجماع فيها خطئا: جمع ودراسة
  13. التوصيات المقترحة في تجديد الفقه وأصوله عند المعاصرين: جمع ودراسة
  14. الحنابلة الجدد: بواعث الظهور والمنطلقات والتوجهات.

الأحد، 24 نوفمبر 2019

تقسيم مقترح للمحدثات والبدع قد يخفِّف من غلواء الخلاف فيها


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وآله ومن والاه، وبعد:
فتحديد ما هو بدعة من الأفعال الحادثة، وما ليس كذلك، موضوع شائكٌ للغاية، ورغم أنه أُفردت فيه العشرات من الكتب قديما وحديثا، إلا أنه لا يزال محارا للعلماء ومجالا كبيرا للخلاف بينهم.

والمستقرئ لمناهج العلماء في هذا الصدد يلحظ منهجين متضادين: أحدهما: يتوسع في تبديع المحدثات من الأفعال. والآخر: يضيِّق في ذلك. وليس من غرضي هنا التعرض للضوابط المختلفة للبدعة، ولكني أود عرض تقسيم :للمحدثات من الأفعال من حيث ما قد يسوغ فيه الخلاف وما لا يسوغ، فأقول:

المُحدثات من أفعال الناس التي لم تكن في زمن النص، أضرب ثلاثة:
أحدها: ما لا ينبغي الخلاف في كونه بدعة.
والضرب الثاني: ما لا ينبغي الخلاف في كونه ليس ببدعة.
والضرب الثالث: ما يحتمل الخلاف.

أما الضرب الأول فهو أنواع منها:
1. محدث خالف نصا شرعيا، كالصلاة إلى قبور الصالحين، وتزيين المصاحف بالذهب، والمسابقات التلفزيونية التي تتضمن الميسر، وأنواع المعاملات الحادثة التي تشتمل على الغرر كالتأمين التجاري، أو تشتمل على الربا، كالعينة، وغير ذلك.
2. محدث عطَّل سنة تعبدية ثابتة، وحلَّ محلها، كاستحداث ألفاظ جديدة بدل ألفاظ الأذان، أو أذكارٍ بدل المشروعة في الصلاة أو عقبها.
3. محدث في باب التعبُّد،لم يخالف نصَّا شرعيا، ولم يعطِّل سنة تعبُّدية ثابتة، ولكن افتقر إلى دليل خاص أو عام يدل على مشروعيته، كالإلزام بصلاة سادسة، أو إضافة سجود ثان في الركعات، أو التزام مسح الرقبة في الوضوء.

أما الضرب الثاني: وهو "ما لا ينبغي الخلاف في كونه ليس ببدعة"، فهو أنواع، منها:
1. محدث في باب العادات أو المعاملات، لا في باب التعبُّد، ولا يدل على حرمته نص. ومن ذلك: الأكل بالملاعق، واستعمال الصابون، وبطاقة الصرف الآلي، واستحداث المدارس، وبطاقات الهوية، وركوب الطائرات، وإشارات المرور وغير ذلك مما يدخل في عداد المصالح المرسلة.
2. محدث في باب التعبُّد دل دليلٌ خاص على جواز الإحداث فيه، كأصناف الدعاء بما ليس فيه تعدٍّ أو قطيعة رحم.
3. محدث دليله القياس الجلي ـ أو الذي في معنى الأصل أو القياس ذو العلة المنصوصة ـ على فعل معلَّل، وإن كان في باب العبادات ووسائلها من حيث الجملة، كالاستنجاء بالورق قياسا على الحجر، وتنظيف الأسنان بالفرشاة قياسا على السواك، واستعمال مكبِّرات الصوت في الصلاة قياسا على التسميع، واستعمال الخط لتسوية الصف في المسجد قياسا على وسائل أخرى استُعملت في زمن النص كضرب بلال، رضي الله عنه، على الأقدام، وفَصْل مصلَّى النساء عن الرجال قياسا على فصله، صلى الله عليه وسلم، الباب الذي تدخل منه النساء عن باب الرجال. ومن ذلك الأذان الأول يوم الجمعة الذي سنه عثمان، رضي الله عنه، قياسا على أذان الفجر الأول زمن النبي، صلى الله عليه وسلم. ومن ذلك إخراج الأرز في صدقة الفطر قِياسا على البر والشعير. واستعمال السُّبحة قياسا على التسبيح بالحصى الوارد إقرار النبي صلى الله عليه وسلم له.

وأما الضرب الثالث، و"هو الذي يحتمل الخلاف"، فأنواع منها:
1. محدث ورد بشأنه حديث ضعيف لم يشتد ضعفه، كصلاة التسابيح، بناء على الخلاف في استعمال الضعيف في فضائل الأعمال.
2. محدث في باب التعبُّد، ورد فيه عمل للصحابة أو خيار التابعين، كالتعريف يوم عرفة الوارد عن ابن عباس، رضي الله عنه، وزيادة "حي على خير العمل" في الأذان الواردة عن ابن عمر، رضي الله عنه، وكصلاة التراويح أكثر من إحدى عشرة ركعة، وختم القرآن فيها، وتلقين الميت عند دفنه، وإحياء ليلة العيد، وليلة النِّصف من شعبان، وغرس الشجر على القبور، ونحو ذلك مما صح فعله عن الصحابة أو خيار التابعين، رضي الله عنهم.
3. محدث لم يدل على مشروعيته دليل خاص بل عام أو مطلق، وخصَّصه المُحدِث بمكان أو زمان، كمن لا يأتيه خبر سار إلا صلى ركعتين، أو لا يطعم طعاما إلا صلى ركعتين شكرا، أو خصص ليلة ـ عدا ليلة الجمعة ـ للقيام، أو يوما في الشهر للصيام، أو عددا من التسبيحات في اليوم والليلة، وهكذا، فهذا يتشدَّد فيه قوم من باب سد الذرائع، ويتساهل فيه آخرون من باب {وافعلوا الخير لعلكم تفلحون}. والمالكية والحنابلة أقرب إلى منع هذا النمط من الإحداث بخلاف الحنفية والشافعية والظاهرية ممن لا يعتدون بالذرائع. والله أعلم.

الخميس، 21 نوفمبر 2019

استعمال الوسائل الحديثة في التعليم الشرعي: عوائق وتحديات


هذا عنوان بحث نشر لي حديثا في المجلة الأكاديمية العالمية للعلوم الشرعية، وملخصه هو الآتي:
ملخص:
هدفت هذه الورقة إلى دراسة قضايا هامة متعلّقة باستعمال الوسائل الحديثة في التعليم الشرعي.
فتطرقت إلى فوائدها وسلبياتها، وعلَّلت ظاهرة تراجع التعليم الشرعي رغم تقدم وسائله وتطورها، وأوضحت العوائق والتحديات التي تحول دون استعمال الوسائل الحديثة في التعليم الشرعي، والضوابط التي ينبغي التقيد بها عند استعمال هذه الوسائل في التعليم الشرعي.


وقد كان ذلك بمنهجية الوصف والتحليل بعد استقراء عدد من الدراسات التي تناولت استعمال تقنيات التعليم
بوضع عام، وتلك التي تناولت استعمالها في التعليم الشرعي بوضع خاص، وخرجت الورقة بعدد من النتائج والتّوصيات تتعلّق باستعمال الوسائل الحديثة في التعليم الشرعي ولاسيما في مجال تشخيص العوائق والتحديات التي أدَّت وتؤدّي إلى تقليل قدر استعمال هذه الوسائل في التعليم الشرعي مقارنة بالعلوم الأخرى، وفي مجال رسم ضوابط هادية لاستعمال الوسائل الحديثة في التعليم الشرعي الاستعمال الأمثل.


لقراءة البحث كاملا أو تنزيله استخدم هذا الرابط: