أستاذ الفقه وأصوله

أستاذ الفقه وأصوله
كلية الشريعة
جامعة قطر

الثلاثاء، 30 نوفمبر 2021

مأساة تحكيم المقالات في المجلات العلمية

 الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله، وصحبه، ومن والاه، وبعد:

فَيفتقرُ تحكيمُ البحوث والمقالات في المجلات العلمية، ولاسيما العربية المتخصّصة في العلوم الإنسانية، إلى معاييرَ واضحةٍ ضابطة لعملية التحكيم. ومن ثَمَّ لم يكن مستغربًا - بل كثيرًا معتادًا - أن يأتي تقريرُ أحد الحكمين اللذين أُرسلت لهما المقالة العلمية على النقيض تماما من تقرير الحكم الآخر، فيُثني أحدهما على المقالة ثناءً وافرًا، في حين يُبالغ الآخر في ذمّها فلا يجيزها للنشر، أو يجيزها مع تعديلاتٍ جوهريّة، قد تقتضي إعادة كتابة المقالة في معظمها من جديد.

يبدأ الخلل في كثير من الأحيان من إدارة تحرير المجلة حين تُرسلُ البحث إلى حَكَمٍ من خارج التخصّص الدقيق لموضوع البحث، بل ربّما كان أحيانًا خارجًا عن التخصّص العام له. والسببُ جهلُ الـمُرسل بمادّة البحث على وجه الدِّقة، وإلى أي تخصُّص فرعيٍّ تنتمي، أو ربّما كان السببُ مصالحَ شخصيّةً، بأن يتغاضى مديرُ التحرير عن تطلُّب توفّر التخصّص الدقيق في الحَكم؛ لأنه قريب، أو زميل، أو صديق، أو ذو سلطان؛ فينفِّعُه المديرُ بأجرة التحكيم؛ مَيلًا إليه، أو ليكسب يدًا عنده لمنافع يُرجى تبادُلها.

فإذا لم يحصل من ذلك شيء، وأصابت إدارةُ المجلة في اختيار الحكم فيما يتعلق بالتخصّص الدقيق فإنّها ربّما لا تحسن اختياره من حيث مدى ما يتّصِف به من موضوعيّة في النقد؛ ولا سيّما إذا كان ينتحي اتجاها متطرِّفًا في التخصّص؛ إذ في كلِّ تخصّص محافظون تقليديّون يمينيّون، وآخرون تجديديّون مُتَفَتِّحون يساريّون، وقسمٌ ثالث في الوسط لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء: وعند التطرُّف تتهاوى الموضوعيّة في النقد إلى حدٍّ كبير. وأقرب الناس إلى الموضوعيّة أرباب الوسط.

ولو افترضنا اهتداء إدارة المجلة إلى الحكم المتخصِّص المعتدل غير المتطرف فلا يمكن استبعاد الأسباب النفسية المؤثِّرة فيما يمارسه من نقدٍ للآخرين وأعمالهم، ولا سيّما ما يتميّز ويتفوّق من هذه الأعمال. وأعظمُ هذه الأسباب النفسية آفةُ الحسد الذي قال عنه ابن تيمية، رحمه الله: (أمراض القلوب وشفاؤها، ص21): هو «مرض غالبٌ فلا يخلص منه إلا القليل من الناس؛ ولهذا يُقال ‌ما ‌خلا ‌جسدٌ ‌من ‌حسد، لكنِ اللئيم يُبديه، والكريم يُخفيه»، وقال ابن رجب، رحمه الله: (جامع العلوم والحكم، 2/ 260): «‌الحسد ‌مركوزٌ في طباع البشر، وهو أنّ الإنسان يكره أن يفوقه أحدٌ من جنسه في شيء من الفضائل. ثمّ ينقسم الناس بعد هذا إلى أقسام: فمنهم من يسعى في زوال نعمة المحسود بالبغي عليه بالقول والفعل، ثمّ منهم من يسعى في نقل ذلك إلى نفسه، ومنهم من يسعى في إزالته عن المحسود فقط من غير نقلٍ إلى نفسه، وهو شرُّهما وأخبثُهما، وهذا هو الحسد المذموم المنهيّ عنه، وهو كان ذنبَ إبليس حيث كان حسد آدم، عليه السلام، لمّا رآه قد فاق على الملائكة». وهذا الذي قاله الشيخان من تَأصُّل الحسد في قلوب الناس هو ما دلّ عليه ما رُوي عنه، صلى الله عليه وسلم، بسند ضعيف: «كلُّ بني آدمَ حَسود، وبعضٌ أفضلُ في الحسد من بعض...». (السخاوي، المقاصد الحسنة، ص579).

ولأجل آفة الحسد هذه ردَّ علماؤنا كلام الأقران من العلماء بعضهم في بعض، ولم يلتفتوا إليه، حتّى سطّروا في ذلك قاعدةً قالوا فيها: "كلام الأقران بعضهم في بعض يُطوى ولا يُروى"، وقالوا: "المعاصرة حِجاب"، وذلك لأنها تزوي عن المتعاصرين رؤية فضائل بعضهم بعضًا؛ لما استقرّ في نفوسهم من التحاسد والتنافس بحكم المعاصرة. روي عن ابن عبّاس، رضي الله عنهما، أنّه قال: (جامع بيان العلم وفضله، 2/ 1091): «خذوا العلم حيث وجدتم ولا تقبلوا قول الفقهاء بعضهم في بعض؛ فإنّهم يتغايرون تغاير التيوس في الزريبة». وقال مالك بن دينار، رحمه الله: (جامع بيان العلم وفضله، 2/ 1092): «يُؤخذ بقول العلماء والقراء في كلّ شيء إلا قول بعضهم في بعض؛ فَلَهُم ‌أشدّ ‌تحاسدًا من التيوس». وقال الذهبي، رحمه الله: (ميزان الاعتدال، 1/ 111): «‌كلام ‌الأقران، بعضِهم في بعض، لا يُعبأ به، لا سيّما إذا لاح لك أنه لعداوة، أو لمذهب، أو لحسد. ما ينجو منه إلا من عصم الله، وما علمتُ أنّ عصرًا من الأعصار سَلِم أهله من ذلك، سوى الأنبياء والصِّدّيقين، ولو شئتُ لسردت من ذلك كراريس».

ومن ثَمَّ كان التحكيمُ محفوفًا بكثير من الآفات التي تدنيه من التعسّف، وتُقصيه عن الموضوعية، بدءًا بآفة تواضع معرفة الحكم بمادة البحث إن كان جاهلا، ومرورًا بآفة احتمال تطرّفه وتحيّزه إن كان عارفًا، وانتهاء بآفة ما قد يثور في نفسه من الحسد الكامن عند وجدانه بحثًا متميّزا يفوق ما يكتبه هو.

وأخطر الحُكّام ليس الجاهل بموضوع البحث المدرك لجهله، لأن هذا يتواضع في النقد ولا يجرؤ عليه إلا في الشكليّات وما عَلِم خطأه قطعًا، وإنما أخطرهم العالمُ الحسود؛ لأنه يتمحّل النقد الموضوعي ويتكلّفه، ويُبدي صواب الباحث، أو ما احتمل الصواب، في لبوس الخطأ المحض مستغلًّا معرفته بالموضوع، ويليه منزلةً في الخطر  -وهم الأكثر توافرًا من الحُكّام في الواقع- الحُكّامُ أنصاف العالمين بالموضوع، الماسّين له مسًّا ضعيفًا أو وَسَطًا، فهؤلاء يتجرؤون على النقد الموضوعي بما لا يحسنون ظانّين أنهم يُحسنون، فيقعون في أخطاءَ في النقد يندى لها جبين المدرك لذلك. وقد قالوا قديمًا: ما أهلك الأديان إلا أنصاف العلماء، وما أهلك الأبدان إلا أنصاف الأطباء.

وأشدُّ من يعاني من التحكيم صنفان من الباحثين: باحثٌ ضعيف لا يفي بمعايير البحث الموضوعية أو الشكلية أو كليهما، ولا سيّما إذا كان بحثه مكرورًا خاليًا من الإضافة العلمية. وهذا الباحث حقيقٌ بالمعاناة؛ لأنّ مادّته رخيصة وبضاعتَه مزجاة، وحقُّه أن يكفّ عن عَرْضِ عَقلِه على الناس بسقيم التأليف الذي يسود به الصُّحُف، فالضرر الحاصل من كثرة السقيم من التأليف لا يقلُّ عن الضرر الحاصل من ندرة الجيّد منه. والصنف الآخر باحثٌ متميِّزٌ لا يجاريه الحَكَمُ معرفةً وعمقًا واقتدارًا، ولا سيّما إذا خلا بحثُه، على قوّته الموضوعيّة، من العيوب الشكليّة. وهذا الباحث ليس حقيقًا بالمعاناة، ويتعسّف أكثرُ الحُكّام في نقد ما يقدّمه من مادّة علمية: إمّا جهلًا، وإمّا حسدًا، أو كليهما.

وضمانةً ألا يتعسّف الحُكّام في النقد، سواءٌ منهم الجاهلون، أم العالمون، أم أنصاف العالمين، فإنّ على هيئات التحرير في المجلات أن تتوافق على معايير لضبط التحكيم وتقييد الحَكم بها قدر الإمكان، فكم من عائبٍ قولًا صحيحًا... وآفتُه من الفهم السقيم. 

وممّا يُقترح في هذه المعايير ويتعلّق بها ما يأتي:

  1. يُرَدّ البحث قطعًا للسرقة العلمية، ويُدرج الباحث في قائمة سوداء تُعمّم على المجلات الأخرى. ومن وظيفة الحكم أن يجهد نفسه في الكشف عن السرقة العلمية ما استطاع.
  2. يُرَدّ البحث إذا خلا من إضافة علميّة على ما سبقه من دراسات في الموضوع نفسه. ومن أهم واجبات الحكم أن يُقدِّر حجم الإضافة العلمية في البحث، بالرجوع إلى ما كُتب في الموضوع من دراسات سابقة، سواءٌ أشار إليه الباحث أم لم يشر، إذ كثيرًا ما يتعمّد الباحثون عدم الإشارة إلى الدّراسات السابقة اللصيقة بالموضوع إذا لم تكن له إضافةٌ على ما جاء فيها.
  3. لا يُرَدُّ البحث بسبب الأخطاء الشكلية ولو كثرت (كعيوب الطباعة والتوثيق ونحو ذلك)، لأنّ هذا ممّا يسهل تداركه.
  4. لا يُردُّ البحث بسبب الأخطاء العلمية المقطوع بخطئها إذا لم تكن من الكثرة بمكان، أو كانت هامشية، لم يُبن عليها في البحث أفكارٌ مِفصلية، ونتائجُ أساسيّةٌ تصبّ في صُلب الإضافة العلمية المدّعاة.
  5. لا يجوز للحَكم أن يفرض رأيه على الباحث فيما قرّره في بحثه من رأي يحتمل الخلاف، ولو رأى الحكم أنّ هذا الرأي مرجوحٌ أو ضعيف ما دام قد بناه الباحث على أدلّةٍ ومقدّمات، ولو ظنيةً أو محتملة. لأنّ الرجحان والضعف أمران نسبيان. وفي نهاية المطاف يتحمّل الباحث نتيجة آرائه، لا يتحمّلها الحَكم ولا المجلّة. وكم من رأي كان مرجوحًا مستهجنًا في زمان صار راجحًا رائِجًا في غيره.
  6. ينبغي على الحَكم أن يركّز نقده على المنهجيّة المتبعة في وصول الباحث إلى نتائج البحث، والتحقّق من سلامة الإجراءات، ومن ذلك مثلًا: أن يؤشِّر له على الدعاوى غير المبرهن عليها، ويرشده إلى استكمال النقص في استقراء الآراء، أو الأدلّة في المسألة، ويتحقّق من وجود إشكالية حقيقية دقيقة تغّيا البحث حلَّها والإجابة عن أسئلتها، وأنّ ذلك تحقَّق فعلًا.
  7. لا يُقبل من الحَكم نقدٌ لفكرة في البحث يُراد تعديلها إلا ببيان موضعها من البحث بالسطر والصفحة، مع بيان الصواب ووجه التعديل.
  8. ينبغي أن يفصِل الحكم بين ملاحظاته الإجمالية واقتراحاته التحسينية من جهة، والتعديلات التي لا يُقبل نشر البحث إلا بعد إجرائها من جهة أخرى. أي يفصل بين ما كان مجملًا وما كان مفصَّلًا، وفي المفَصَّل من الملاحظات يميِّز بين ما كان تحسينًا وإثراءً، وما كان تصويبًا لخطأ قطعي في المعلومات أو الإجراءات أو الشكليّات، فهذا الأخير يُلزَم الباحث بتعديله، وما عداه يستأنِس به فَيَقبل منه ما يَقبل، ويُهمل منه ما يُهمل، لأن البحث له يُعبِّر عن آرائه ومجهوداته، لا عن آراء الحكم ومجهوداته.
  9. بناء على النقطة السابقة يُقترح أن يشتمل تقرير الحكم على ثلاثة أقسام:

أولًا: الملاحظات الإجمالية.

ثانيًا: الملاحظات التفصيلية الإثرائية.

ثالثًا: الأخطاء العلمية أو المنهجية أو الشكلية (المطلوب تعديلها).

وما كان في القسم الأخير فقط هو ما يُلزمُ الباحث بتعديله دون ما سواه، ولا يُورِد الحكم فيه إلا ما كان خطئًا على وجه القطع، لا ما كان للاحتمال فيه مجال، ويُورِده مع بيان موضعه من البحث ووجه الصواب فيه. ويُعطى الباحث الحقَّ في الردّ على ما يورده الحكم في هذا القسم ممّا لم يقتنع بتعديله، لا لإثبات صواب رأيه، بل يكفي في ذلك بيانُ احتمال رأيه الصواب. ولا يُحَكَّم الحَكَمُ مرّةً أخرى في ردّ الباحث ولا يُطلَع عليه، لأنه انتقل، بعد رد الباحث عليه، من كونه حكمًا إلى كونه خصمًا ونظيرًا، فيفصِل في الخلاف بينهما مديرُ التحرير إن أمكنه، أو تُعرض الملاحظات والردُّ عليها على حَكمٍ آخر للفصل.

الأربعاء، 8 سبتمبر 2021

استعمال ضمير الجمع عند التخاطب أو الكتابة

كثيرٌ من محكمي البحوث والرسائل العلمية ينتقدون استعمال الباحث ضمير الجمع "نا" تعبيرا عن نفسه في الخطاب، كأن يقول: قلنا ، وعندنا، ونرى، ونحو ذلك، نظرا منهم إلى أن هذا ينافي التواضع ويبرز الأنا، وهناك أيضًا منهم من ينتقد تعبير الباحث بضمير الغيبة: كأن يقول: ويرى الباحث، ويقول الباحث لنفس السبب السابق. وهذا - في رأيي - تنطع وتكلف، وإنما يكثر صدوره عن الحكام الذين يركزون في نقدهم على الشكليات، والعجيب أنهم ينتقدون البحوث أيضا بعدم ظهور شخصية الباحث في البحث: فإذا قال: أرى ونرى وأقول ونقول، قالوا هذا ينافي التواضع، فيحتار المرء ماذا يكتب وكيف يعبر عن أفكاره الخاصة واختياراته وترجيحاته.

والصحيح أنه لا إشكال في كل ذلك، والتعبيرات المذكورة لا تنافي التواضع ولا هي من الأسلوب المرذول والمنتقد في التعبير، بل هي عرف عام في الكتابة العلمية قديما وحديثا لولا تنطعات بعض الشكليين ممن تأثروا بكتب آداب البحث ومناهجه المعاصرة التي تكثر النقل عن الكتب الأجنبية دون الانتباه لفوارق اللغة والثقافة والأعراف الكتابية الخاصة بكل علم من العلوم عند الأمم المختلفة. ومؤلفات التراث العلمي للمسلمين طافحة بالتعبير بضمير الجمع عن المتكلم وقد كان أسلافنا أكثر منا أدبا وتواضعا، فمثل هذا النقد في غير محله، ولا يشتغل به محصِّل.

يقول الدكتور طه عبد الرحمن مبينا  وجه التعبير بضمير الجمع عن المتكلم في الكتابة العلمية:

"إذا نحن استعملنا ضمير الجمع بدل ضمير المفرد في كتاباتنا، فلأن هذا الاستعمال تقليد عربي أصيل في صيغة التكلم من صيغ الكلام، ثم لأنه هو الاستعمال المتعارف عليه في المقال العلمي والتأليف الأكاديمي، فضلا عن أنه يفيد معنى "المشاركة" و"القرب"، إذ يجعل المتكلم ناطقا باسمه وباسم غيره، ولا غير أقرب إليه من المخاطب، حتى كأن هذا المخاطب عالم بما يخبره به المتكلم ومشارك له فيه، فيكون ضمير الجمع، من هذه الجهة، أبلغ في الدلالة على التأدب والتواضع من صيغة المفرد، ولا دلالة له إطلاقا على تعظيم الذات ولا على الإعجاب بالنفس". التكوثر العقلي (هامش(1)، صفحة 12) .


أيمن صالح

https://t.me/alfikh

الاثنين، 6 سبتمبر 2021

هل لمن قَصُر عن رتبة الاجتهاد، أن يرجِّح بين الأقوال في المسائل الفقهية!

قال ابن تيمية، رحمه الله، (المسودة، ص512): 

«قال ‌أبو ‌الحسين ‌القُدُوري [الحنفي]: المقلِّد إذ غلب على ظنه أن بعض المسائل على مذهب فقيه أقوى، فعليه أن يقلد فيها ذلك الفقيه، وإذا أفتى بها حاكيا لمذهب من قلده جاز.

 وقال أبو الطيب الطبري [الشافعي]: لا حكم لظنه واستحسانه. 

وكانا قد سُئلا عمَّن يقلد فقيها فاستحسن مسائل في مذهب غيره، هل يجوز له أن يقلد صاحب المسائل، ويعمل بها، وإذا سُئل عن تلك المسائل يفتي بها على سبيل الإخبار على مذهب ذلك الفقيه».

قلت- أيمن: وكلام القُدوري، رحمه الله، أقرب إلى ظواهر الشرع من كلام القاضي أبي الطيب، رحمه الله، لقوله تعالى: {فَبَشِّرْ عِبَادِ، الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ ‌فَيَتَّبِعُونَ ‌أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ}، وهذا يشمل كل مسلم بقدر طاقته، ولقوله: صلى الله عليه وسلم لمن سأله: "قلتُ يا رسولَ اللهِ أخبِرْني ما يحِلُّ لي ويحرُمُ عليَّ، قال: البرُّ ما سكنت إليه النَّفسُ واطمأنَّ إليه القلبُ والإثمُ ما لم تسكُنْ إليه النَّفسُ ولم يطمِئنَّ إليه القلبُ وإن أفتاك المُفتون". [إسناده جيد كما قال ابن رجب وغيره] وفي رواية ضعيفة: "استفت قلبك وإن أفتاك الناس". ودلالته ظاهرة بأن المستفتي لم يكن من أهل الاجتهاد، وأحاله، صلى الله عليه وسلم، على علامة باطنة، لا على التخيّر والتشهي، ولا على التقليد لمُعيّن من المفتين بالغي رتبة الاجتهاد.

وعلى قول القدوري يتخرّج ما يقوم به كثير من طلبة العلم، القاصرين عن رتبة الاجتهاد، من الترجيح في المسائل الفقهية، معتمدين في ذلك على ما أمكنهم من النظر، وإن كان قاصرًا.

لكن المفسدة التي قد تترتب على ذلك، (أعني اشتغال من قصر عن رتبة الاجتهاد بالترجيح بين المسائل بناء على النظر في الدليل) هي ما يُرى في كثير ممن هم في رتبة العامي المحض، وفي المبتدئين، أو حتى المتوسطين، من طلبة العلم، وصغار الباحثين، ولا سيما من أولئك المشتغلين بالحديث تصحيحًا وتضعيفًا، ما يرى فيهم من ثقة - مبالغ فيها في كثير الأحيان - بترجيحاتهم واختياراتهم، حتى يكاد بعضهم أن يجزم بخطأ القول المخالف في مسائل هي في ملتطم الظن والنزاع بين أئمة الاجتهاد. وهذا تعسّف بالغ، قائم على وهم التمكّن من النظر، وسراب حيازة الصواب، وخيال الإحاطة بالمسألة لمجرد المعرفة ببعض الادلة الجزئية التي تساق فيها، وحينئذ يكون الترجيح من قِبَل من كان هذا حاله مذمومًا، لأنه من قبيل التعالم، وتشبّع المقلّد بما لم يعط من آلات الاجتهاد، وهو من لبس الزور، كما جاء في الحديث: "المتشبّع بما لم يعط كلابس ثوبي زور" [متفق عليه]. هذا فضلًا عمّا يولده الترجيح على هذا الوجه من تعصّب للرأي، وإساءة للظن في أئمة الاجتهاد. ولعله لأجل هذا الوجه ذم الترجيح من ذمّه من المعاصرين، وكأنه كان ذريعة إلى هذه المفاسد فكان من السياسة سد باب الترجيح بالكلية.

والذي نراه هو أن من رجَّح من القاصرين عن الاجتهاد، لا على الوجه المذموم الذي ذكرنا، فلا دليل يمنع من نظره وترجيحه، بل هو أولى به من التزام مذهب بعينه دون تكلّف إعمال النظر البتة، لأنه أدعى إلى مطالعة نصوص الكتاب والسنة، والتبصّر في اختلاف العلماء، وهو أمر حميد، يرقى بصاحبه، بعد اكتمال الآلة بإذن الله تعالى، إلى منازل المجتهدين.

قال العز بن عبد السلام، رحمه الله، (القواعد، 2/ 159)، متعجِّبا من المقلد الذي يجمد على مذهب إمامه في المسألة مع ظهور ضعف رأيه فيها:

«ومن العجب العجيب أن الفقهاء المقلدين يقف أحدهم على ضعف مأخذ إمامه بحيث لا يجد لضعفه مدفعا، ومع هذا يقلده فيه، ويترك من الكتاب والسنة والأقيسة الصحيحة لمذهبه جمودا على تقليد إمامه، بل يتحلل لدفع ظواهر الكتاب والسنة، ويتأولهما بالتأويلات البعيدة الباطلة نضالا عن ‌مقلَّده. وقد رأيناهم يجتمعون في المجالس فإذا ذكر لأحدهم في خلاف ما وطّن نفسه عليه، تعجب غاية التعجب من غير استرواح إلى دليل، بل لما ألفه من تقليد إمامه حتى ظنّ أن الحق منحصر في مذهب إمامه...، فالبحث مع هؤلاء ضائع مفض إلى التقاطع والتدابر من غير فائدة يجديها، وما رأيت أحدا رجع عن مذهب إمامه إذا ظهر له الحق في غيره بل يصبر عليه، مع علمه بضعفه وبُعده. فالأولى ترك البحث مع هؤلاء الذين إذا عجز أحدهم عن تمشية مذهب إمامه قال لعل إمامي وقف على دليل لم أقف عليه، ولم أهتد إليه، ولم يعلم المسكين أن هذا مقابَلٌ بمثله ويفضل لخصمه ما ذكره من الدليل الواضح والبرهان اللائح، فسبحان الله ما أكثر من أعمى التقليد بصره، حتى حمله على مثل ما ذُكر، وفقنا الله لاتباع الحق أين ما كان، وعلى لسان من ظهر».

وقال ابن تيمية، رحمه الله، (مختصر الفتاوى المصرية، ص555):

«الاجتهاد يقبل التجزئة والانقسام، بل قد يكون الرجل مجتهدا في مسألة أو صنف من العلم ويكون غير مجتهد في مسألة أو صنف آخر، بل أكثر من عنده تمييز من المتوسطين إذا نظر في مسائل النزاع وتأمل ما استدل به الفريقان بتأمل حسن ونظر تام ترجّح عنده أحد القولين، ولكن قد يشق عليه الاكتفاء بنظره، فالواجب على مثل هذا أن يتبع قولا ترجح عنده من غير دعوى منه للاجتهاد، بل هو بمنزلة المجتهد في أعيان المفتين والأئمة وإذا ترجّح عنده أن أحدهم أعلم قلده.

ولا شك أنّ معرفة الحكم بدليله أيسر وأسلم من الجهل والتقليد واتباع الهوى. فإذا جوّزنا للرجل أن يقلد الشخص فيما يقوله لاعتقاد أنه أعلم، فلأن يجوز له أن يقلد صاحب القول الذي تبين له رجحان قوله بالأدلة الشرعية، أولى وأحرى».

وقال شيخ متأخّري الشافعية، ابن حجر الهيتمي، رحمه الله،  في شرح خطبة "العُباب": «الشخص كثيرًا ما يعتمد في تصنيفه خلاف ما يفتي به؛ لأنه قد يبيِّن الراجح عنده، وفي إفتائه يبيِّن الراجح من المذهب».

ويظهر من قوله هذا أن المفتي المقلد المعتزي إلى مذهب يذكر الراجح في المذهب لمستفتيه لا الراجح عنده. وما ذلك، والله أعلم، إلا لأن الناس إنما تستفيه للاستعلام عن الراجح في المذهب لا في رأيه. وأما إذا كان في مجال التصنيف والتأليف فهو في بحبوحة من التقيُّد بالراجح في المذهب، وله أن يعتمد ما يراه راجحا عنده. قلت: ومن باب أولى إذا كان ترجيحه واختياره هذا في مجال عمله في نفسه.

وقال المعلّمي، رحمه الله، (التنكيل 11/ 585 ضمن آثار المعلمي):

«قد نصَّ جماعة من علماء المذاهب أن العالم المقلِّد إذا ظهر له رجحانُ الدليل المخالف لإمامه لم يجز له تقليدُ إمامه في تلك القضية. بل يأخذ بالحق، لأنه إنما رُخِّص له في التقليد عند ظن الرجحان، إذ الفرض على كل أحد طاعةُ الله وطاعة رسوله. ولا حاجة في هذا إلى اجتماع شروط الاجتهاد، فإنه لا يتحقق رجحانُ خلاف قول إمامك إلا في حكم مختلَفٍ فيه، فيترجَّح عندك قولُ مجتهدٍ آخر، وحينئذ تأخذ بقول هذا الآخر متَّبعًا الدليلَ الراجح من جهة، ومقلِّدًا في تلك القضية لذاك المجتهد الآخر من جهة. والفقهاءُ يجيزون تقليد المقلِّد غيرَ إمامه في بعض الفروع لمجرّد احتياجه، فكيف لا يجوز بل يجب أن يقلِّده فيما ظهر أن قوله أولى بأن يكون هو الحق في دين الله؟».

وفي ضوء هذا كلِّه ندرك أهمية تعلم أصول الفقه للمقلد، لأن إتقان أصول الفقه أقوى سبب في تنمية ملكة الترجيح لديه إلى أن يبلغ مرتبة الاجتهاد الجزئي في مسائل، أو ربما الاجتهاد الشامل في معظم المسائل، وما ذلك على الله بعزيز. 

وتأسيسا على هذا، نعلم بأن كلام الذهبي، رحمه الله، في «زغل العلم» (ص41): «‌أصول ‌الفقه لا حاجة لك به ‌يا ‌مقلد، ويا من يزعم أن الاجتهاد قد انقطع، وما بقي مجتهد، ولا فائدة في ‌أصول ‌الفقه إلا أن يصير محصله مجتهدا به، فإذا عرفه ولم يفك تقليد إمامه لم يصنع شيئا، بل أتعب نفسه وركب على نفسه الحجة في مسائل، وإن كان يقرأ لتحصيل الوظائف وليُقال، فهذا من الوبال، وهو ضرب من الخبال»، كلامه الذهبي هذا محمولٌ على المقلّد الجامد الممتنع عن الترجيح المحيل للاجتهاد حالا ومآلا، كالمقلد الذي تعجب منه العز بن عبد السلام كما نقلناه من كلامه آنفا، وإلا فلو كان المقلد المحصِّل طرفًا من آلات الاجتهاد يستعمل ما يتقنه من "أصول الفقه" في الترجيح في بعض المسائل التي تسنى له النظر فيها، فمثل هذا لا يتوجه عليه كلام الذهبي، رحمه الله.

والله أعلم

أيمن صالح

https://t.me/alfikh


الجمعة، 30 يوليو 2021

تحرير معنى "التعليل بالحكمة" المختلف فيه أصوليًّا

 خلاصة القول في معنى «التّعليل بالحكمة» هو أنَّه:

·       لا يُقصد به أنَّ الأحكام معلَّلة بالمصالح أو لا.

·       ولا يُقصد به مجرّد إبداء الحكمة دون نوط الحُكم بها.

·       ولا يُقصد به نوط الحُكم التّكليفي الابتدائي بالحكمة لغرض القياس عليه بواسطتها.

وإنّما يُقصد به على وجه الدِّقة، أمران:

أحدهما: نوط الحُكم بالحكمة إذا كَرَّ هذا النّوط على المظنّة المنصوصة بالتّخصيص.

والآخر: نوط الحُكم الثّابت بخطاب الوضع بالحكمة وجودًا، وهو ما يُسمّى القياس في الأسباب.

فالمجيز للتّعليل بالحكمة هو المجيز لهذا النّوط من حيث المبدأ، والمانع من التّعليل بالحكمة هو المانع من هذا النّوط من حيث المبدأ.

وبناءً على هذا الذي قرّرناه في مراد الأصوليّين بـ «التّعليل بالحكمة»، يمكننا استنتاج الآتي:

أولًا: مرجوحيّة ما فعله بعض المعاصرين من جعلهم مسألة «تعليل الأحكام» في ضمن مشمولات مسألة التّعليل بالحكمة، وتوسّعهم في بحثها في الأثناء، كما ذكرنا سابقًا.

ثانيًا: خطأُ تعميم الخلاف في مسألة «التّعليل بالحكمة» على جميع الأحكام: الثّابت منها بخطاب الوضع والثّابت بخطاب التّكليف، وبكلا وجهي النّوط وجودًا وعدمًا. إذ يُستثنى من محلّ الخلاف، كما قلنا، نوط الحُكم الابتدائي بالحكمة وجودًا، أو بعبارةٍ أخرى: القياس على الحُكم الابتدائي بالحكمة، فهذا مستبعدٌ فيه الخلاف عند القائلين بالقياس.

ثالثًا: خطأُ مبالغة بعضهم في الإنكار على من قال بعدم جواز التّعليل بالحكمة، وبُعْد قولِهم بأنّ ذلك كان وليد المناظرات بين أتباع الأئمّة،  وأنّه جاء به الأتباع لضبط فروع المذاهب، كما قاله شلبي وغيره([1])، وأبعد منه القول بأنّ هذا المنع كان من أسباب جمود الفقه وعجزه عن مسايرة الزّمن([2])؛ وذلك لأنّ القائلين بالمنع من التّعليل بالحكمة - وهم أكثر الحنفيّة وبعض الشّافعيّة([3]) - وإن كان قولهم مرجوحًا، لم يكونوا يعنون بالمنع من التّعليل بالحكمة الحكمةَ بإطلاق، كما ظنّه المبالغون في الإنكار، وإنّما عنوا - كما بيّنّا - حالتين خاصَّتين، هما: أ) المنع من نوط الحُكم بالحكمة إذا كان ذلك سيعود على المظنّة المنصوصة التي قُطع عنها الحُكم بالتّخصيص، وب) المنع من القياس على الحُكم الثّابت بخطاب الوضع بواسطة الحكمة (القياس في الأسباب).

وعلى هذا فمنعهم التّعليل بالحكمة إنّما يبرز فقط عندما يتردّد الحُكم بين أن يُناط بالمظنّة المنصوصة أو بالحكمة. ومثاله خلاف الفقهاء في نقض الوضوء بلمس المرأة أيُناط بنفس اللّمس، أم بما يستبطنه من معنى، وهو الشّهوّة واللّذة، وخلافهم في نقض الوضوء بالنّوم، أيُناط بذات النّوم كما قاله بعضهم، أم بأنّه مظنّة لخروج الريح وهو لا يشعر، وخلافهم في غسل اليد قبل إدخالها بالإناء أيُناط بنفس النّوم أم بالشّكّ في نجاسة اليد، وخلافهم في الاستنجاء بالأحجار أيُناط بالتّثليث في المسحات أم بمجرّد الإنقاء أم بهما معًا، وفطر الصائم أيُناط بما يدخل الجوف أم بحصول الاغتذاء بالدّاخل، وهكذا...

وطالما خُرِّج خلاف الأصوليين في التّعليل بالمظنّة أو الحكمة على خلاف الفقهاء في مثل هذه الفروع، فلا إنكار على أيٍّ من الفريقين: القائل بنوط الحُكم بالمظنّة، والقائل بنوطه بالحكمة. نعم هناك حاجة لوضع معايير أصوليّة للترجيح في هذه المسألة، وضوابط تُبيّن متى يُناط الحُكم - أو يترجّح نوطه -  بالمظنّة، ومتى يُناط - أو يترجّح نوطه -  بالحكمة. وهذا ما نوصي به في ختام هذه الدّراسة، وقد شرعنا في الكتابة فيه يسَّر الله تعالى تمامه.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين

صالح: أيمن، العلة والحكمة والتعليل بالحكمة: دراسة مصطلحية، ص44



([1]) شلبي، تعليل الأحكام، ص: 184؛  إمام، "بحث في التّعليل بالحكمة"، 3، ص: 665؛  الجبوري، "التعليل بالحكمة عند الأصوليين"، ص: 191.

([2])  الحكمي، "حقيقة الخلاف في التعليل بالحكمة"، ص: 12؛  أبو طالب، "التعليل بالحكمة عند الأصوليين"، 4، ص: 1027 (وللأسف بحث أبي طالب منقول في غالبه عن بحث الحكمي من غير عزو).

([3]) الحكمي، "حقيقة الخلاف في التعليل بالحكمة"، ص: 25 و 63.

الأحد، 9 مايو 2021

الفقيه ومعركة القرآن



مُعظم القرآن صراعٌ بين الحقّ والباطل، بين الإيمان والكفر، بين الأنبياء من جهة والكافرين والمنافقين في الجهة المقابلة. هذي هي معركة القرآن وقضيته الكبرى: تقرير الوحدانية، وتصحيح أصول الاعتقاد: الخلق، البعث واليوم الآخر، التنزيه، الصفات العلى، والأسماء الحسنى.

أمّا الأحكام التشريعية العَمَليّة فَلَمْ يُكثر القرآن من تناولها، إذ بلغت آياتها مائة وخمسين فقط من نحو ستة آلاف ومائتي آية عدد آي القرآن، وأوصلها بعضهم إلى خمسمائة آية، وهي، على هذا العدد، لا تزيد نسبتها في القرآن عن 8% من مجموع آياته.

على أن تناول القرآن للأحكام في تلك الآيات غالبه كليٌّ إجمالي لا يتعمّق في التفاصيل، كالأمر بالصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد وتحريم القتل والخمر والميسر والزنا والربا وتطفيف الميزان ونحو ذلك.

وهذا التناول القرآني المقتضب والمجمل للأحكام يجعل معظم القرآن بعيدًا عن همّ الفقيه وشغله الشاغل، لأن شغل الفقيه إذا كان مجتهدا هو استنباط الأحكام العملية المظنونة التي تحتاج إلى نظر واجتهاد أو الموازنة بين ما استنبطه السابقون منها، وبيان ما يدعم هذا الاستنباط أو الاختيار من أدلة المنقول والمعقول، والرّدّ على ما يَرِد على هذا الاستنباط أو الاختيار من اعتراضات المجتهدين الآخرين الذين قد يخالفونه الرأي. وأما "الفقيه" المقلِّد فشغلُه الشاغل حفظ استنباطات واختيارات مَتبوعه، وتعزيز الاستدلال لها والجدال عنها ونشرها: تعليمًا وتأليفًا وإفتاءً.

ومن ثَمّ يمكن القول إنّ معركة الفقيه، مجتهدًا ومقلِّدًا، ليست هي معركة القرآن، معركة القرآن في العقائد والتصورات، ثم بدرجة أدنى، في القطعيات من الأحكام العَمَليّة. وأمّا معركة الفقيه ففي مُغَلّبات الظّنون من الأحكام العمليّة التفصيليّة. تلك الاحكام التي اختلف الأصوليّون هل الحقّ فيها واحد والمخطئ معذور، أو كلّ مجتهد فيها مصيب، ولأجل ذلك هوَّن من الاشتغال بها ابن الوزير (ت849هـ) رحمه الله بقوله: «‌الخوض ‌في ‌المسائل ‌الظنية الفروعية على جهة المنازعة في بيان المُحق من المُبطل لا يشتغل به مُحصِّل، لأنّ الأمر قريب فيما كلٌّ فيه مُسامَحٌ أو مُصيب». (العواصم والقواصم 3/ 6).

وإذا أراد الفقيه أن يتفاعل مع قضايا القرآن الكبرى وينخرط في جند معركته – ولا بد له من ذلك لأن هذا هو المفروض في كلّ عالم ربّاني - فليحذر من التمادي مع الفقه (الفروعي) إلى درجة يشغله هذا التمادي عن فضيلة الجهاد المعرفي والبياني في قضايا الدين والقرآن الكبرى.

وعليه أن يهتمّ بـ"الفقه في الدين" بالمعنى الشرعي الوارد في الكتاب والسنة، الذي سار عليه الأوّلون من علماء الصحابة والتابعين ومن بعدهم في خير القرون، الذي يجعل "الفقه" شاملا للعلم بالأصول والفروع، والقضايا العلمية والعملية معًا، وليس ذاك القاصر على العلم بالأحكام الفرعية التفصيلية الظنية عن اجتهاد أو تقليد، كما آل إليه معنى "الفقه" عند المتأخّرين.

وحتى في مجال الأحكام العمليّة فعلى الفقيه أن يقترب أكثر من معركة القرآن، وذلك بأن لا تقتصر دراسته على تناول الأحكام الظنيّة والتعليل الجزئي القياسي، بل يتناول بالدراسة والبحث والتعليم والدعوة قضايا القطع من مسائل الأحكام ومقاصد الشريعة، ببيان وجاهتها وفاعليتها في التطبيق وكيف أنّ امتثالها يؤدّي إلى انتظام مصالح الخلق على صعيد الفرد والأسرة والدولة والعالم، وينافح عن هذه الأحكام والمقاصد في وجه النظريات التشريعية والاخلاقية التي تتبناها شرائع وقوانين وأعراف غير المسلمين شرقًا وغربًا، على نحو ما يوجد في الكتب التي تُعنى بالمقارانات التشريعية بين الفقه الإسلامي والقوانين الوضعية، والتي عادة ما يخوض فيها قانونيون ذوو خلفيات فقهية عامّة، ولا تلقى عناية كافية من الفقهاء.

آن الآوان للفقيه المعاصر أن يخرج من برجه العاجي الذي يعزله عن قضايا القرآن: قضايا الحق والباطل، قضايا الكفر والإيمان، ويتخفَّف من معاركه الجدليّة في ذلك البرج مع طواحين الهواء التي يواجه فيها غيره من إخوانه الفقهاء المسلمين ليباشر المعارك التشريعية الحقيقيّة التي يقارع فيها أهل الكفر والإلحاد وأصحاب النظريات الوضعية والمادية من فلاسفة القانون والأخلاق والاجتماع والاقتصاد.

وهذا الانزياح الحادّ في طريقة قيام الفقيه بواجبه في حق "الفقه" و"العلم"، يحتاج منه أن يوسِّع في أدواته ومناهجه البحثية، فتصبح دراسة أصول القانون وفلسفته جزءًا من مؤهّلاته لا أصول الفقه وعلوم اللغة فحسب، ويغدو التسلّح بمناهج العلوم الاجتماعية في البحث والاستنتاج من أهمّ الأدوات التي تؤهِّله للقيام بواجبه. وبذلك يكون مشاركًا، مع إخوانه من علماء العقيدة والدعوة والفكر، في معركة القرآن، لا واقفًا منها على الحياد، أو جالسا في مقاعد "المتفرجين"، كما هو الواقع الآن في حال أكثر الفقهاء.

السبت، 1 مايو 2021

بين المذهبية واللامذهبية


الناس في التمذهب والمذهبية طرفان وواسطة، وكلا طرفي الأمور ذميم.

أما الطرف الأول فمن يلزمون أنفسهم والناس اتباع مذهب بعينه لا يخرجون عنه لا في فتوى ولا في قضاء، كما يرون حرمة الخروج عن رأي الأربعة على علماء العصر كافة، ولو إلى رأي صحابي أو تابعي هو خير من الأربعة ويرون انقطاع الاجتهاد كليا وجزئيا إلا الاجتهاد المذهبي التخريجي.

وأما الطرف الثاني فهم جماعة من دعاة فقه الدليل يحرمون التقليد وينادون بنبذ التمذهب وكتب المذهبيين، ولاسيما المتأخرين منهم، ولا يرون المذهبية سبيلا للتفقه تمدرسا أو عملا بل لا بد من الانطلاق في ذلك مباشرة من الكتاب والسنة. وأكثر هؤلاء فاقد لآلة النظر مجاف لأصول الفقه: وهم طائفتان: إما فيه مسحة ظاهرية حزمية، مشتغل بالحديث والآثار تصحيحا وتضعيفا، وإما يغلب عليه تتبع الرخص وشواذ العلماء وعدم السير على أصول مضطردة كبعض سالكي منهج "التيسير".

وأما الوسط فطائفة تقدر التراث المذهبي وتراه مسلكا منتظما للتفقه والتمدرس، ولكنها لا ترى لزوما اتباع مذهب بعينه في العمل أو الفتوى أو القضاء، بل وجواز الخروج عن الأربعة في مسائل قال بها بعض السلف إذا أدى إلى ذلك نظر صحيح الآلة من علماء الأمة ممن بلغ مرتبة الاجتهاد ولو جزئيا، ويرون التمذهب مرحلة لا ينبغي أن تستغرق العمر وإنما الغاية - بعد إحكام آلات الاجتهاد من لغة وأصول فقه وعلوم حديث.- الوصول إلى فقه نصوص الكتاب والسنة ومقاصدهما، ويرون أن هذا هو الفقه الحقيقي الممدوح صاحبه شرعا وليس حفظ الفروع وأقوال الفقهاء.

الأحد، 21 مارس 2021

موازنات الفقهاء وتلفيقات المعاصرين



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:

فالفقيه الحق ينظر إلى المسائل الفقهية المنضوية تحت موضوع واحد نظرة متكاملة، أي أن حُكمَه في مسألة تعالج جانبًا من موضوعٍ ما يتأثّر بحكمه على مسألة أخرى تعالج جانبًا آخر في الموضوع نفسه. وعليه، فربَّما خفّف حكمه في مسألة ثم تدارك ما قد ينشأ عن هذا التخفيف من مفاسد محتملة بوضع اشتراطات وتشديدات في مسألة أخرى متعلّقة بالموضوع من جهة أخرى.

فمثلًا أبو حنيفة، رحمه الله، لَمّا لم يشترط عبارة الولي ولا موافقته لصحّة نكاح المرأة فإنّه شدَّد وبالغ في شروط الكفاءة التي يُسمح بموجبها للولي بفسخ عقد مولّيته إذا نكحت من غير موافقته. وبذلك أحدث نوعا من التوازن بين حق المرأة في اتخاذ قرار النكاح، وحق الولي في دفع الضرر عن نفسه وعن مولّيته فيما لو قررت الزواج بغير كفء.

وبعكس ما فعل أبو حنيفة فعل مالك، فتساهل في شروط الكفاءة وجعلها قاصرة على الدين فقط لكنه في المقابل اشترط عبارة الولي وموافقته. وتوسّط باقي الأئمة بين المذهبين.

مثال آخر: لَمّا لم يشترط مالك الشهود لصحة النكاح فإنه اشترط الإعلان بخلاف الجمهور الذين اشترطوا الشهود ولم يشترطوا الإعلان. وبهذا يحدث التوازن على المذهبين في إخراج النكاح عن السرية إلى دائرة العلنية.

مثال ثالث: لَمّا بالغ الحنابلة في إبطال العقود بالنوايا الفاسدة فإنهم في المقابل تساهلوا في اعتبار الشروط التي يُسمح للعاقدين أو أحدهما باشتراطها زيادة على مقتضى العقد وتوسعوا في قبولها إذا حققت مصلحة لهما أو لأحدهما وكذلك قال المالكية بلزوم الوعد في بعض الفروع.

أما الحنفية والشافعية فلمّا بالغوا في الاعتداد بالظاهر في العقود وعدم التعويل على النوايا والبواعث فإنهم في المقابل بالغوا في المنع من الشروط التي قد يشترطها أحد المتعاقدين وإبطالها حتى لا تُستغلّ هذه الشروط في التحيُّل على الشرع، والتوصُّل بها إلى الممنوعات.

وهكذا ديدن الفقهاء، على تفاوتٍ بينهم، الموازنةُ في معالجة الموضوعات المركّبة من مسائل شتّى حتى لا تميل كفّة على كفّة. وما يُخشى أن يفوت من مصالح، أو ينشأ من مفاسد، من الحكم في مسألة يُستدرك أو يُتلافى في الحكم في مسألة أخرى ذات علاقة بالمسألة الأولى.

ولكن مع فشوّ التلفيق في عصرنا الحاضر تُنوسيت موازنات الفقهاء، وأُخذ بالأسهل عند كل منهم وتُرِك الأشد فاختلت المعالجات الفقهية للموضوعات التشريعية في صورتها الكلية.

فكثير من قوانين الأسرة مثلا لا تشترط الولي، ومع ذلك تتساهل في اشتراط الكفاءة في الوقت نفسه. وفي هذا تضييع للتوازن بين مصالح المرأة ومصالح الولي.

وغالب المشتغلين من "فقهاء الثروة" في هيئات المصارف الإسلاربوية، يحكمون بظاهر العقود ولا يحكِّمون البواعث ولا يبطلون الذرائع على طريقة الشافعي وأبي حنيفة، ومع ذلك يتوسعون في تجويز الشروط والوعود الملزمة على طريقة أحمد في الشروط وعلى طريقة مالك في الوعود. وهذا نوع من العبث واللعب في المعالجات التشريعية للقضايا الفقهية، لأن من بالغ في منع الحيل والذرائع تساهل في الشروط، ومن بالغ في ترك الذرائع تشدد في الشروط. واقتفاء خطة تخالف المذهبين في شق المنع وتوافقه في شق الجواز إخلال بالتوازن الذي من شأنه منع الحيل والشروط الفاسدة.

ومن أجلى الأمثلة على ذلك عقد المرابحة للآمر بالشراء (الذي سمّاه القدماء بالمواصفة، أو اشتري لي كذا حتى أُربحك كذا) الذي هو ذريعة واضحة للتحيُّل على تحريم الربا بالتربّح من الإقراض باسم البيع الآجل من غير تحمّل تبعات البيع والتجارة، ولذلك جزم جماهير فقهاء السلف بتحريمه، كما حققناه في بحث مستقل. ولَمّا كان الشافعي لا يلتفت في الحكم بالصحة على العقد إلى الذرائع والتحايلات فقد صار إلى إبطال هذا العقد إذا اقترن بالشرط ونص على ذلك، فجاء بعض المعاصرين فأخذ من الشافعي شطر كلامه في عدم الالتفات إلى باطن هذا العقد من حيث هو ذريعة إلى الربا، وترك الشطر الآخر الذي هو في منع الشرط الملزم. واستبدل به ما أقره الإمام مالك من لزوم الوعد في بعض الفروع الفقهية، فلفَّق بين المذهبين في هذه المعاملة، مغفلا أن من نظر إلى الظاهر وأغفل الحيل كالشافعي أبطل الشروط، ومن قال بلزوم الوعد في بعض المسائل كمالك شدَّد في اعتبار البواطن ومنع الحيل.

وهذا التلفيق هو من النوع الممنوع شرعا، وهو الذي ينشأ منه في مسألة "حقيقة مركّبة" لا يقول بها أحد من المجتهدين كما ذكر السبكي والقرافي وغيرهم، ومثَّلوا له بمن يتزوَّج من غير ولي ولا شهود ولا صداق، فهذه الصورة المركبة في النكاح لم يقل بجوازها أحد.

والمنع من هذا النوع من التلفيق يشمل المقلِّد والمجتهد سواء، لأن الصورة المركبة التي يُذْهَب إليها ممتنعة بالإجماع، والممنوع بالإجماع ممنوع على جميع المكلفين: مقلِّدين ومجتهدين.

الأحد، 21 فبراير 2021

20 موضوعا مقترحا لبحوث أكاديمية أو رسائل علمية في مجالي الفقه وأصوله


رغم قناعتي التامة بأن أفضل مواضيع البحوث هو ما توصل إليه الباحث بنفسه نتيجة لمطالعاته فإني إسعافا لبعض الطلبة أنوه بالموضوعات الآتية، علما بأن بعضها قد يصلح لبحث قصير محكم، وبعضها قد يصلح لرسالة، وبعضها قد يكون درس سابقا فيحتاج الطالب إلى مراعاة ما كتب وهل هو قادر على الإضافة العلمية عليه أو لا.

  1. انتفاء الحكم لانتفاء العلة (عكس العلة): دراسة أصولية تطبيقية على أحاديث الأحكام في باب (المعاملات).
  2. مشروع يحيى محمد التجديدي في الفقه والأصول: عرض وتقويم
  3. المسائل المختلفة في الاسم المتحدة في المضمون (الأشباه) في أصول الفقه: جمع ودراسة
  4. نوازل وسائل الاتصال السمعي والمرئي: جمع ودراسة
  5. ظاهرة كثرة الاستثناء والتقييد في قواعد أصول الفقه عند الحنفية: دراسة في الأسباب والآثار
  6. معالم التجديد الأصولي عند الإمام الغزالي
  7. قول الصحابي المخالف للقياس: دراسة نظرية تطبيقية
  8. تطبيقات قادح القول بالموجب في القياس في كتاب تحصين المآخذ للغزالي (أو الاصطلام للسمعاني): دراسة وتقويم
  9. تطبيقات قادح الفرق في القياس في كتاب تحصين المآخذ للغزالي (أو الاصطلام للسمعاني): دراسة وتقويم
  10. تطبيقات قادح القلب في كتاب تحصين المآخذ للغزالي (أو الاصطلام للسمعاني): دراسة وتقويم
  11. تطبيقات قادح نقض العلة في كتاب تحصين المآخذ للغزالي (أو الاصطلام للسمعاني): دراسة وتقويم
  12. دراسة مقارنة بين منهجي السمعاني والغزالي في الجدل الفقهي في كتابيهما تحصين المآخذ والاصطلام
  13. القياس الطردي عند الأصوليين: مفهومه وحجيته وأمثلته
  14. التطور العلمي في مؤلفات الغزالي الأصولية في مسائل التعليل والقياس: دراسة وتقويم
  15. اجتهادات الصحابة رضوان الله عليهم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم: جمع ودراسة
  16. ما حرم من البيوع سدا لذريعة الربا: دراسة فقهية
  17. قصد الشريعة إلى الحد من المداينات وأثره في تقويم منتجات المصارف الإسلامية (كتبت فيه بعض البحوث القصيرة لكنه محتمل للتوسيع ولاسيما في بيان أثر الديون على الاقتصاد)
  18. قصد الشريعة إلى الحد من الإنفاق البذخي وأثر ذلك في تقويم شروط التمويل وأدواته في المصارف الإسلامية.
  19. الاستحسان للمصلحة وتطبيقاته المعاصرة
  20. النماذج البديلة التي اقترحت عوضا عن المصارف الإسلامية في وضعها الراهن: جمع ودراسة

الجمعة، 5 فبراير 2021

التشاغل عن القرآن الكريم بغيره من الكتب والعلوم من المنظور التربوي الأصيل

 

قال تعالى عن القرآن: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ}. [العنكبوت: 49].

وقال تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُون}. [العنكبوت: 51].

القرآن الكريم هو أُسُّ العلوم الشرعية ومحورها، فعليه تدور، ومنه تبدأ، وإليه تعود، والفقه في معاني القرآن هو الحكمة التي يؤتيها الله تعالى من يشاء من عباده، {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا}. [البقرة: 269]. عن ابن عبّاس، رضي الله عنهما، في تفسير: {ومن يُؤتَ الحكمة}، قال: «المعرفة بالقرآن: ناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، ومقدَّمه ومؤخَّره، وحلاله وحرامه، وأمثاله»([1])، وعنه، أيضاً: «الفقه في القرآن»([2])، وعن أبي الدرداء، رضي الله عنه: {يؤتَ الحكمة} قال: «قراءة القرآن والفِكرة فيه»([3])، وعن أبي العالية: «الكتاب والفهم به»([4])، وعن مجاهد: «الكتاب يؤتي إصابته من يشاء»([5])، وعن قتادة: «الفقه في القرآن»([6])، وعن مكحول: «إنّ القرآن جزءٌ من اثنين وسبعين جزءاً من النبوّة، وهو الحكمة التي قال الله: {ومن يُؤتَ الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا}»([7]).

ولـمّا كان القرآن الكريم، والفقه في معانيه، بهذه الأهميّة، لمن أراد العلم حقّاً، قال الشافعي (ت: 204هـ)، رحمه الله، موجِّهاً طلاب العلم:

«فكلُّ ما أَنزل في كتابه - جلَّ ثناؤه - رحمةٌ وحجّة، عَلِمه من عَلِمه، وجَهِله من جَهِله، لا يَعلم من جَهِله، ولا يَجهل من عَلِمه. والنّاس في العلم طبقات، موقعهم من العلم بقدْر درجاتهم في العلم به. فحقٌّ على طلبة العلم بلوغُ غاية جهدهم في الاستكثار من علمه، والصَّبر على كلّ عارضٍ دون طلبه، وإخلاص النِّية لله في استدراك علمه نصّاً واستنباطاً، والرّغبة إلى الله في العون عليه، فإنّه لا يُدرك خيرٌ إلا بعونه. فإنّ من أدركَ عِلْمَ أحكام الله في كتابه نصَّاً واستِدلالاً، ووفّقه الله للقول والعمل بما علم منه: فاز بالفضيلة في دينه ودنياه، وانتفت عنه الرِّيب، ونوَّرت في قلبه الحكمة، واستوجب في الدّين موضع الإمامة»([8]).

وقال ابن حجر العسقلاني (ت: 852هـ)، رحمه الله: «إنّ أولى ما صُرفت فيه نفائس الأيام، وأعلى ما خُصَّ بمزيد الاهتمام الاشتغالُ بالعلوم الشرعية المتلقّاة عن خير البريّة، ولا يرتاب عاقلٌ في أنَّ مدارها على كتاب الله المقتَفى، وسنَّة نبيِّه المصطفى، وأنَّ باقي العلوم: إمَّا الاتٌ لفهمهما، وهي الضّالّة المطلوبة، أو أجنبيةٌ عنهما، وهي الضّارَّة المغلوبة»([9]).

والنّاظر في تاريخ التعليم في الأمّة الإسلامية منذ بعثة النبي، صلّى الله عليه وسلم، يجد أنّ تعليم القرآن الكريم، حفظاً وفهماً، كان له نصيبُ الأسد في ذلك، وكان هو المقدّمَ على كلِّ ما عداه من العلوم، بل كان النبي، صلى الله عليه وسلم، ينهى حتى عن كتابة حديثه لئلا يَشتغل به أصحابُه، رضوان الله عليهم، عن القرآن.

فعن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: «كنّا قعوداً نكتب ما نسمع من النبي، صلى الله عليه وسلم، فخرج علينا، فقال: ما هذا تكتبون؟ فقلنا: ما نسمع منك، فقال: أكتابٌ مع كتاب الله؟! فقلنا: ما نسمع، فقال: أكتابٌ غير كتاب الله؟! أَمْحِضوا كتاب الله، وأخلصوه، قال: فجمعنا ما كتبنا في صعيدٍ واحد، ثمّ أحرقناه بالنّار...»([10]).

وكذلك نهى، صلى الله عليه وسلّم، عن الانشغال عن القرآن بالنَّظر في كتب أهل الكتاب. ورُوي عنه، صلى الله عليه وسلم، أنّه قال: «كفى بقومٍ ضلالاً، أن يرغبوا عمّا جاء به نبيُّهم، إلى ما جاء به نبيٌّ غير نبيِّهم، أو كتاب غير كتابهم...»([11]).

وقال، صلى الله عليه وسلم، في وصف الرعيل الأول من الصّحابة: «إنّ الأمانة نزلت في جذْر قلوب الرجال، ثمّ عَلِموا من القرآن، ثم علموا من السنّة»([12]). قال ابن حجر: «"ثمّ علموا من القرآن ثم علموا من السنة"، كذا في هذه الرواية بإعادة "ثمّ"، وفيه إشارةٌ إلى أنَّهم كانوا يتعلّمون القرآن قبل أن يتعلّموا السنن»([13]). ولذلك قال، صلى الله عليه وسلم: «خيركم من تعلَّم القرآن وعلّمه»([14]). وقال لحذيفة بن اليمان، رضي الله عنه، عندما سأله أن يحدِّثه عن الفتن: «يا حذيفة عليك بكتاب الله فتعلّمه، واتّبع ما فيه خيراً لك»([15]).

وعلى ذلك سار أصحابه، رضوان الله عليهم: فعن قَرَظَة بن كعب الأنصاري، رضي الله عنه، قال: «بعثنا عمر بن الخطاب إلى الكوفة وشيّعنا، فمشى معنا إلى موضع يُقال له صِرَار، فقال: أتدرون لِمَ مشيت معكم؟ قال: قلنا: لحقّ صحبة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولحقّ الأنصار، قال: لكنّي مشيت معكم لحديث أردت أن أحدِّثكم به، فأردت أن تحفظوه لممشاي معكم: إنّكم تقدُمون على قومٍ للقرآن في صدورهم هزيز كهزيز المِرجل، فإذا رأوكم مدّوا إليكم أعناقهم، وقالوا: أصحاب محمد، فأقلوا الرواية عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ثم أنا شريككم»([16]).

قال البيهقي (ت: 458هـ)، رحمه الله: «أَمَرَهم بتجريد القرآن عند عدم الحاجة إلى الرّواية؛ لأنَّ القوم كانوا رغبوا في أخذ القرآن فلم يُرد اشتغالهم بغيره قبل استحكامه، شفقةً منه على رعيّته»([17]).

وعن عُروة بن الزبير (ت: 130هـ)، رحمه الله، قال: «إنَّ عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السُّنن، فاستشار أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في ذلك، فأشاروا عليه أن يكتبها، فطفِق يستخير الله فيها شهراً، ثم أصبح يوماً وقد عزم الله له، فقال: إنّي كنت أريد أن أكتب السُّنن، وإنّي ذكرت قوماً كانوا قبلكم كتبوا كتُباً، فأكبُّوا عليها وتركوا كتاب الله، وإنّي واللهِ لا ألبس كتاب الله بشيء أبداً»([18]).

وعن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، قال: «أعزم على من كان عنده كتابٌ إلا رجع فمحاه، فإنّما هلك الناس، حيث تتبَّعوا أحاديث علمائهم، وتركوا كتاب ربهم»([19]). وذَكر في وصف الفقيه بأنّه الذي «لم يدعِ القرآن رغبةً عنه إلى غيره»([20]).

وعن إبراهيم التيمي، قال: «بلغ ابنَ مسعود، رضي الله عنه، أنّ عند ناس كتاباً يُعجبون به، فلم يزل بهم حتى أتوه به، فمحاه ثم قال: إنّما هلك أهل الكتاب قبلكم، أنّهم أقبلوا على كُتُب علمائهم، وتركوا كتاب ربهم»([21]). ولذلك قال، رضي الله عنه: «إنَّ هذه القلوب أوعية فاشغلوها بالقرآن، ولا تشغلوها بغيره»([22])، وقال: «من أراد العلم فليقرأ القرآن فإنَّ فيه علم الأولين والآخرين»([23]). وقال: «جرِّدوا القرآن لِيربُوَ فيه صغيركم، ولا ينأى عنه كبيركم...»([24]). وقال: «جرِّدوا القرآن، ولا تخلطوه بشيء»([25]).

 وعن عبد الله بن عمرو، رضي الله عنه، قال: «إنّ من أشراط الساعة أن يُبسط القول، ويُخزن الفعل، وإنّ من أشراط الساعة أن تُرفع الأشرار وتُوضع الأخيار، وإنّ من أشراط الساعة أن تُقرأ المثنّاة على رؤوس الملأ لا تُغيّر. قيل: وما المثنّاة؟ فقال: ما استُكتب من غير كتاب الله. قيل: يا أبا عبد الرحمن، وكيف بما جاء من حديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم. فقال: ما أخذتموه عمّن تأمنونه على نفسه ودينه فاعقلوه، وعليكم بالقرآن فتعلَّموه وعلِّموه أبناءكم؛ فإنّكم عنه تُسألون، وبه تُجزون، وكفى به واعظاً لمن كان يعقل»([26]). وقال: «من قرأ القرآن فكأنّما استُدرجت النّبوّة بين جنبيه إلا أنّه لا يُوحى إليه»([27]).

وقال ابن أبي خالد: قلتُ لعبد الرحمن بن الأسود (تابعيٌّ كبير)، رحمه الله: «ما منعك أن تَسأل كما سأل إبراهيم [النَّخَعي]؟ قال: إنّه كان يُقال: جرّدوا القرآن»([28]).

وفي وصية ميمون بن مهران (ت: 117هـ)، رحمه الله، ليُونس بن عبيد: «عليك بكتاب الله تعالى، فإنّ النّاس قد لهوا عنه واختاروا عليه الأحاديث: أحاديث الرّجال»([29]).

وقال الليث بن سعد (ت: 175هـ)، رحمه الله: «يُقال: إنّما يُرفع القرآن حين يُقبل النّاس على الكُتُب، ويُكِبُّون عليها، ويتركون القرآن»([30]).

وكان الإمام أحمد (ت: 241هـ)، رحمه الله، ينهى عن كتابة كتب الرأي «فقال له السائل: إنّ ابن المبارك قد كتبها، فقال له أحمد: ابن المبارك لم ينزل من السَّماء، إنّما أُمِرنا أن نأخذ العلم من فوق»([31]). قال ابن القيم (ت: 751هـ)، رحمه الله: «إنّما كره أحمدُ ذلك، ومنع منه؛ لما فيه من الاشتغال به، والإعراض عن القرآن والسنّة»([32]).

وقال الغزالي (ت: 505هـ)، رحمه الله: «كان الأوّلون يكرهون كتب الأحاديث وتصنيف الكتب؛ لئلا يشتغل النّاس بها عن الحفظ، وعن القرآن، وعن التدبُّر والتذكُّر. وقالوا: احفظوا كما كنّا نحفظ»([33]).

ولهذا كلِّه كَثُر في تراثنا التربوي حثُّ طالب العلم على البدء بالقرآن، وتجريده وتقديمه على غيره من العلوم.

قال ابن عبد البر (ت: 463هـ)، رحمه الله: «أوَّلُ العلم حفظُ كتاب الله جلّ وعزّ، وتفهُّمُه. وكلُّ ما يُعين على فهمه فواجبٌ طلبُه معه، ولا أقول: إنّ حفظَه كلَّه فرض، ولكن أقول: إنَّ ذلك واجبٌ لازم على من أحبَّ أن يكون عالماً»([34]).

وقال الخطيب البغدادي (ت: 463هـ)، رحمه الله: «ينبغي للطالب أن يبدأ بحفظ كتاب الله عزّ وجلّ؛ إذ كان أجلَّ العلوم وأولاها بالسّبق والتقديم»([35]).

وقال ابن الجوزي (ت: 597هـ)، رحمه الله: «أوَّل ما ينبغي أن يُكلَّف حفظ القرآن مُتقناً؛ فإنَّه يثبت، ويختلط باللّحم والدّم»([36]).

 وقال النّووي (ت: 676هـ)، رحمه الله: «أوَّل ما يَبتدئ به حفظُ القرآن العزيز فهو أهمُّ العلوم، وكان السَّلف لا يعلِّمون الحديث والفقه إلا لمن حفظ القرآن، وإذا حفظه فليحذر من الاشتغال عنه بالحديث والفقه وغيرهما اشتِغالاً يؤدِّي إلى نسيان شيءٍ منه، أو تعريضه للنِّسيان»([37]).

وقال ابن جماعة (ت: 733هـ‍.)، رحمه الله: «يبتدئ أولاً بكتاب الله عزَّ وجل فيتقنه حفظاً، ويجتهد على إتقان تفسيره وسائر علومه، فإنَّه أصلُ العلوم، وأمُّها، وأهمُّها»([38]).

وقال ابن تيمية (ت: 728هـ)، رحمه الله:

«وأمّا طلب حفظ القرآن: فهو مقدَّمٌ على كثيرٍ ممَّا تسمِّيه النَّاس علماً: وهو إمّا باطل أو قليل النفع. وهو أيضا مقدَّمٌ في التعلُّم في حقّ من يريد أن يتعلَّم علم الدين من الأصول والفروع، فإنّ المشروع في حقّ مثل هذا في هذه الأوقات أن يبدأ بحفظ القرآن فإنَّه أصل علوم الدين، بخلاف ما يفعله كثيرٌ من أهل البدع من الأعاجم وغيرهم، حيث يشتغل أحدهم بشيءٍ من فُضول العلم من الكلام، أو الجدال والخلاف، أو الفروع النادرة، أو التقليد الذي لا يُحتاج إليه، أو غرائب الحديث التي لا تثبت ولا يُنتفع بها، وكثيرٍ من الرياضيات التي لا تقوم عليها حجّة، ويترك حفظ القرآن الذي هو أهمُّ من ذلك كلِّه... والمطلوب من القرآن هو فهم معانيه والعمل به، فإن لم تكن هذه هِمَّةُ حافظه لم يكن من أهل العلم والدّين»([39]).

وقال ابن خلدون (ت: 808هـ)، رحمه الله: «اعلم أنّ تعليم الولدان للقرآن شعار الدّين أخذ به أهل الملّة ودرجوا عليه في جميع أمصارهم؛ لِـما يسبق فيه إلى القلوب من رسوخ الإيمان وعقائده من آيات القرآن وبعض متون الأحاديث. وصار القرآن أصل التّعليم الّذي يُبنى عليه ما يحصل بعد من الملكات»([40]).

وقد أشار عدد من الدراسات العلمية التربوية المعاصرة إلى الأثر الإيجابي لتعلُّم الطالب القرآن الكريم في أدائه الأكاديمي في المقررات الأخرى([41]).

ومع كل هذا، فقد حَدث في بعض الأعصار المتأخِّرة الإقلال من الاهتمام بفقه القرآن انشغالا عنه بغيره من العلوم. قال الذهبي (ت: 748هـ)، رحمه الله: «قلَّ من يعتني اليوم بالتفسير»([42]). وقال بدر الدين الحلبي (1324هـ/1906م) يصف حال طلاب العلوم الشرعية مع علم التفسير في القرن الهجري الماضي:

«طلاب العلوم الشرعية أقلّ الناس عنايةً به، وأزهدُهم فيه، فالطالب الذي يصرف عشر سنوات من عمره في تعلّم النحو من حواشي المتأخِّرين، أو بالحَري يُمضي عشر سنوات في قراءة قيل وقال، واعتُرض وأُجيب، ممّا ليس بعلم من العلوم، يَضِنُّ على كتاب الله، قانونِ دينه، ومبدأ سعادة البشر في النشأتين، بسَنَةٍ يصرفها في قراءة تفسير من تفاسيره اللطيفة الموثوق بها...، وليس هذا الذي نقوله خاصّاً بطلبة مِصرٍ أو قُطْرٍ، بل طلاب العلوم الشرعية في جميع الأمصار والأقطار قد اطّرحوا هذا القسم من الفنون، ولم يُعيروه أدنى نظرٍ والتفات»([43]).

وقال الشيخ ابن باديس (ت:1359هـ)، رحمه الله:

«حصلنا على شهادة العالمية من جامع الزيتونة، ونحن لم ندرس آيةً واحدةً من كتاب الله، ولم يكن عندنا أيُّ شوقٍ أو أدنى رغبة في ذلك. ومن أين يكون لنا هذا ونحن لم نسمع من شيوخنا يوماً منزلة القرآن من تعلُّم الدين والتفقُّه فيه، ولا منزلة السنّة النبوية من ذلك. هذا في جامع الزيتونة فدع عنك الحديث عن غيره ممّا هو دونه بعديد المراحل»([44]).

وفي عصرنا الحاضر تعافت، إلى حدٍّ ما، كثيرٌ من الكلِّيات الشرعية من تهميش دراسة القرآن الكريم: حفظاً وتفسيراً، كما كان الحال عليه قبل قرن من الزمان، فلا تخلو الآن خُطَّة من خطط التدريس في مختلف الجامعات من مقرَّرات في الحفظ والتفسير. ومع هذا فلا يزال الاهتمام بالقرآن الكريم وتفسيره، دون المستوى المطلوب بكثير، خصوصاً لطلاب تخصُّصات الفقه والحديث والدّعوة. والمأمول أن يزداد الاهتمام بالقرآن الكريم بشكل ملحوظ، ولو على حساب غيره من العلوم؛ فإنّه، كما قال الشافعي، رحمه الله: «لا يَعلم من جَهِله، ولا يَجهل من عَلِمه»([45]). فلا أقلَّ من أن تُخصَّص سنةٌ واحدة من سنوات الدّراسة الأربع لتعلّم القرآن والانكباب عليه، حفظاً وفهماً، دون خلط ذلك بغيره من العلوم.

ا
لمقال مقتبس من بحث بعنوان ضعف خرّيجي كلّيات الدّراسات الشّرعية: أهمّ الأسباب، والحلولُ الممكنة، في ضوء أدبيّات التعليم في تراثنا التربوي، للمؤلف. تجده على هذا الرابط



([1]) السيوطي، الدر المنثور، (2/66) وعزاه لابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنّحاس.

([2]) السيوطي، الدر المنثور، (2/66). وعزاه لابن جرير وابن المنذر.

([3]) السيوطي، الدر المنثور، (2/66) وعزاه لابن أبي حاتم.

([4]) السيوطي، الدر المنثور، (2/66). وعزاه لابن جرير.

([5]) السيوطي، الدر المنثور، (2/66). وعزاه لعبد بن حميد وابن جرير.

([6]) السيوطي، الدر المنثور، (2/67). وعزاه لعبد بن حميد.

([7]) السيوطي، الدر المنثور، (2/67). وعزاه لابن أبي حاتم.

([8]) الشافعي، الرسالة، ص19.

([9]) ابن حجر، فتح الباري، (1/ 3).

([10]) أحمد، المسند، (17/ 156). وقال الأرناؤوط: صحيح.

([11]) الدارمي، السنن، (1/425)، من مرسل يحيى بن جعدة بسند صحيح.

([12]) البخاري، الصحيح، (8/ 104).

([13]) ابن حجر العسقلاني، فتح الباري، (13/ 39).

([14]) البخاري، الصحيح، (6/ 192).

([15]) ابن حبان، صحيح ابن حبان، (1/ 323). وصحّحه الألباني والأرناؤوط.

([16]) ابن ماجه، السنن، (1/12). وقال ابن كثير، مسند الفاروق، (2/624): إسناده جيد، وصحّحه الألباني والأرناؤوط.

([17]) البيهقي، معرفة السنن والآثار، (1/ 146).

([18]) معمر بن راشد، جامع معمر بن راشد، (11/ 257). وقال ابن كثير، مسند الفاروق، (2/625): «إسناد جيّد وقوي إلا أنّ عروة لم يلق عمر بن الخطاب والله أعلم».

([19]) ابن أبي شيبة، المصنف، (5/ 314). وابن عبد البر، جامع بيان العلم وفضله، (1/271). وفي إسناده جابر الجعفي: ضعيف.

([20]) ابن عبد البر، جامع بيان العلم وفضله، (2/ 811).

([21]) الدارمي، السنن، (1/ 419). وقال محقق الكتاب حسين سليم أسد: إسناده صحيح.

([22]) ابن أبي شيبة، المصنف، (6/ 126). وإسناده متصل رجاله موثوقون.

([23]) ابن أبي شيبة، المصنف، (6/ 126). وإسناده متصل رجاله ثقات.

([24]) أبو عبيد، فضائل القرآن، ص76. وإسناده متصل رجاله ثقات.

([25]) أبو عبيد، فضائل القرآن، ص76. وإسناده متصل رجاله موثوقون.

([26]) أبو عبيد، فضائل القرآن، ص71.  والدارمي، السنن، (1/ 423). قال محقق الدارمي حسين سليم أسد: إسناده جيد.

([27]) ابن أبي شيبة، المصنف، (6/ 120). والحاكم، المستدرك على الصحيحين، (1/ 738).

([28]) الذهبي، سير أعلام النبلاء، (5/ 11).

([29]) أبو عبيد، فضائل القرآن، ص79.

([30]) محمد بن نصر المروزي، مختصر قيام الليل وقيام رمضان وكتاب الوتر، ص 179.

([31]) ابن أبي يعلى، طبقات الحنابلة، (1/329).

([32]) ابن القيم، الطرق الحكمية، ص235.

([33]) الغزالي، إحياء علوم الدين، (1/ 79).

([34]) ابن عبد البر، جامع بيان العلم وفضله، (2/ 1129).

([35]) الخطيب البغدادي، الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، (1/ 106).

([36]) ابن الجوزي، صيد الخاطر، ص257.

([37]) النووي، المجموع شرح المهذب، (1/ 38).

([38]) ابن جماعة، تذكرة السامع والمتكلّم في أدب العالم والمتعلّم، ص51.

([39]) ابن تيمية، مجموع الفتاوى، (23/55).

([40]) ابن خلدون، تاريخ ابن خلدون، (1/ 740).

([41]) يُنظر نتائج خمسة من هذه الدراسات مقال: عبد الملك بن عثمان ابن الأمير، وفق دراسات علمية: القرآن له أثر كبير في زيادة التحصيل الدراسي وتفوُّق الطلاب، صحيفة الجزيرة، الخميس 28 شوال 1428هـ الموافق 08/11/2007، العدد 12824، http://www.al-jazirah.com/2007/20071108/el6.htm

([42]) الذهبي، زغل العلم، ص40.

([43]) الحلبي: بدر الدين، التعليم والإرشاد، ص83.

([44]) الطالبي: عمار، ابن باديس: حياته وآثاره، (3/2019).

([45]) الشافعي، الرسالة، ص19.