أستاذ الفقه وأصوله

أستاذ الفقه وأصوله
كلية الشريعة
جامعة قطر

السبت، 27 أبريل 2019

معالم في منهج التعلم عند الغزالي

الحمد لله والصّلاة
والسّلام على رسول الله، وآله، ومن والاه، وبعد:

قال الغزالي رحمه الله:

"إن تفرغت من نفسك وتطهيرها، وقدرت على ترك ظاهر الإثم وباطنه، وصار ذلك ديدنا لك وعادة متيسِّرة فيك - وما أبعد ذلك منك - فاشتغل بفروض الكفايات، وراعِ التدريج فيها، فابتدىء بكتاب الله تعالى، ثم بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم بعلم التفسير، وسائر علوم القرآن من علم الناسخ والمنسوخ والمفصول والموصول والمحكم والمتشابه، وكذلك في السنة، ثم اشتغل بالفروع، وهو علم المذهب من علم الفقه - دون الخلاف - ثم بأصول الفقه، وهكذا إلى بقية العلوم على ما يتسع له العمر ويساعد فيه الوقت. ولا تستغرق عمرك في فن واحد منها طلبًا للاستقصاء فإن العلم كثير، والعمر قصير، وهذه العلوم آلات ومقدمات، وليست مطلوبة لعينها بل لغيرها، وكل ما يطلب لغيره فلا ينبغي أن يُنسى فيه المطلوب ويُستكثر منه". إحياء علوم الدين (1/ 39).

ويؤخذ من هذا أنه، رحمه الله، يوصي بالآتي:

1. تقديم العلم لضروري (فرض العين) على التزود بفروض الكفاية من العلوم.

2. تقديم علم السلوك (تطهير النفس من الآفات الظاهرة والباطنة والتحلي بالفضائل) على طلب العلوم الكفائية.

3. مراعاة التدريج في العلوم بالأخذ بها واحدا ثم الذي يليه فلا يخلط بينها في وقت واحد ولا ينتقل من علم حتى ينتهي غرضه
من الذي قبله.

4. تقديم العلوم النقلية (القرآن والسنة) على غيرها في التحصيل.

5. دراسة علم الفقه المذهبي والابتعاد عن الفقه المقارن (الخلاف).

6. تقديم العلم بالفروع الفقهية على تعلم أصول الفقه.

7. عدم الاستقصاء في أيٍّ من هذه العلوم الكفائية، لأنها آلية ليست مقصودة لذاتها.

وأكثر ما قرره رحمه الله سديد وبعضه قابل للأخذ والرد.

الجمعة، 26 أبريل 2019

الدافعية الذاتية: أهميتها وطرق إثارتها


الحمد لله والصّلاة والسّلام على رسول الله، وآله، ومن والاه، وبعد:

هذا برنامج فيديو من إعدادي، يهدف إلى التعريف بالدافعية الذاتية للمتعلم وأهميتها في تحصيله العلمي والطرق التي يمكن للمعلم أن يثير فيها هذه الدافعية.

وهو يتكون من ثلاثة أقسام:


السبت، 20 أبريل 2019

خلاصة أقوال المعاصرين في اعتبار البصمة الوراثية في النسب إثباتًا ونفيًا

الحمد لله والصّلاة والسّلام على رسول الله، وآله، ومن والاه، وبعد:

فقد اتفق المعاصرون على أن النسب لا يثبت من الزاني بالبصمة الوراثية إذا وُلد الولد على فراش صحيح إلا أن ينفيه صاحب الفراش.

وهذا الاتفاق مستند إلى إجماع القدماء على عدم ثبوت نسب الولد من الزاني إذا نازع فيه صاحبَ الفراش لقوله صلى الله عليه وسلم: "الولد للفراش وللعاهر الحجر". متفق عليه.

واختلفوا فيما عدا ذلك من الحالات.

وهم في ذلك ثلاثة اتجاهات: موسِّعون ومضيِّقون ومتوسطون:

الاتجاه الأول: الموسِّعون: 

وهؤلاء يقولون: يجب الاعتماد على البصمة الوراثية في إثبات النسب ونفيه:

ففي مجال الإثبات تعتبر البصمة سببا حاسما في إثبات النسب عند حالات الاشتباه به كاختلاط المواليد، وحالات الوطء بشبهة،
ومجهول النسب إذا نفاه صاحب الفراش، كما تعد البصمة مانعا من ثبوت النسب بالأسباب الشرعية من فراش وإقرار وشهادة إذا دلت البصمة على عدم صحة النسب الظاهر.

وفي نفي النسب تقدم البصمة على اللعان، ولكن لا يثبت بها الزنى فلا توجب الحد، ويظل اللعان هو الأساس في درء حد القذف عن الزوج، وحد الزنى عن الزوجة.

ومن هؤلاء: سعد الدين هلالي، وسفيان بورقعة، وعارف علي عارف القره داغي.

والاتجاه الثاني: المضيِّقون:

وهؤلاء يقولون: لا يجوز الاعتماد على البصمة الوراثية إثباتا أو نفيا إلا في حالات اشتباه النسب كاختلاط المواليد، وحالات الوطء بشبهة. وهذا الرأي منسجم مع رأي جمهور الفقهاء القدماء في إثبات النسب بالقيافة (الشَّبَه بين الوالد والولد).

وهو رأي أكثر المعاصرين. وعليه قرارا مجمع الفقه الإسلامي الدولي، والمجمع الفقهي الإسلامي.

والاتجاه الثالث: المتوسِّطون:

وهؤلاء طبقات:

فمنهم من قال: لا يجوز الاعتماد على البصمة في إثبات النسب إلا فيما تجوز فيه القيافة، ويجوز الاعتماد عليها في نفي النسب فتُقدَّم على اللعان. وهو رأي محمد المختار السلامي، وعليه فتوى وزارة الأوقاف الكويتية رقم 54 لعام 1996م.

ومنهم من قال: لا يجوز الاعتماد على البصمة في إثبات النسب إلا فيما تجوز فيه القيافة، ويجوز الاعتماد عليها في نفي النسب إذا كان إجراؤها بطلب من الزوجة لا من الزوج فتُقدم على اللعان حينئذ. وعلى ذلك رأي القرضاوي.

ومنهم من قال تُقدم البصمة في الإثبات على جميع أسباب ثبوت النسب إلا الفراش، وتقدم في النفي على اللعان. وهو رأي محمد جبر الألفي، ومحمد نعيم ياسين.

الجمعة، 12 أبريل 2019

ذكر نتيجة البحث في عنوانه أو مقدّمته هل يتنافى مع الموضوعية في البحث؟


الحمد لله والصّلاة والسّلام على رسول الله، وآله، ومن والاه، وبعد:

فيعترض كثير من دارسي أدبيات البحث العلمي ومناهجه على بعض الكتب أو الرسائل أو المقالات أو الأوراق المنشورة أو المقدّمة للنشر بأنها تفتقر إلى الموضوعية والحياد، ويعلِّلون ذلك بأنّ نتيجة البحث مذكورة في عنوان المؤلَّف (الكتاب أو الرسالة أو المقال أو الورقة ...الخ)، أو أن الباحث صرّح في مقدمة مؤلَّفه أو في أهدافه أن ما يكتبه مسوق بقصد إثبات هذه النظرية (الرأي أو القول)، أو تفنيد تلك النظرية (الرأي أو القول)، وهذا يدل على أن نتيجة البحث متبناة لديه سلفًا.

وهذا الاعتراض ليس في مكانه، ولو طُبِّق على مصنّفات القدماء من علماء الإسلام، بل والمعاصرين، لَحَكم على معظمها بعدم الموضوعية وعدم الإنصاف، لأنّ أكثرها إلا ما ندر يتبين منه القارئ نتيجة البحث من عنوانه أو مقدّمته.

وسبب خطأ هؤلاء المعترضين هو أنهم لم يميزوا بين مرحلتين متمايزتين من مراحل الإنتاج العلمي: مرحلة البحث نفسه، ثم مرحلة صياغة البحث (التأليف) لتقديمه للنشر. وبين المرحلتين فرق كبير:

إذ هدف المرحلة الأولى (التي هي البحث) هو حلّ إشكاليّة البحث والوصول إلى نتيجة، كشفا، أو إثباتًا، أو نفيًا، أو تفصيلًا، وعادة ما تشتمل هذه المرحلة على مسوَّدات أوليّة للبحث أو لأجزاء منه.

وأما هدف المرحلة النهائيّة (التي هي التأليف) فهو عرْض البحث للقارئ بأفضل ما يمكن من ترتيب وبيان لإيقافه على نتيجة البحث وما انبنت عليه من أدلّة. وهي المرحلة التي تُكتب فيها النسخة النهائية من البحث بما يشمل مقدماتِه وخواتيمَه، وفيها يستقرّ المؤلِّف على أفضل عنوان يمثِّل مؤلَّفه، الذي قد يكون موافقًا لعنوان البحث عند الشروع فيه، أو مخالفًا له على وجه من الوجوه.

فمثلا قد يكون «مشروع البحث» معنونًا بـ «الحكم الشرعي للمظاهرات السلمية»، وبعد البحث والتفتيش في الأدلة وإعمال النظر فيها، يتبين للباحث أن الحكم هو المشروعيّة مثلا، أو التحريم، أو التفصيل بين حال وآخر، فيُعنون مؤلَّفه في المرحلة النهائية (مرحلة التأليف) بـ «مشروعية المظاهرات في الإسلام»، أو «حرمة المظاهرات في الإسلام»، أو «حرمة التظاهر ضد الإمام العادل» ...، وغير ذلك مما يمكن أن يكون وصل إليه الباحث نتيجةً للبحث. ولعلّ العنونة بهذه الطريقة التي تُضمَّن فيها النتيجةُ في عنوان المؤلَّف أدقّ وأفضل من العنونة العامّة أو المجملة التي كانت عند الشروع في البحث، لأنّ هذه العنونة الخاصة توقف القارئ على غرض المؤلَّف ونتيجته بمجرد قراءة العنوان، وهو أمر محمود لا مذموم، وإن كان بعض المؤلفين يتجنبه لأنّه يقلل من التشويق إلى قراءة البحث الذي يسببه الإجمال والغموض، وكذا لأنه يوحي بانحياز الباحث لرأي معين سلفا مع أنه قد لا يكون كذلك في مرحلة البحث.

والحاصل هو أن متطلبات الموضوعية في المرحلة الأولى (البحث) تختلف عن متطلبات الموضوعية في المرحلة النهائية (التأليف)، فالمرحلة الأولى هي التي ينبغي ألا يجزم الباحث فيها بنتيجة بحثه فيها قبل تمامها. ومن هنا لم يكن مقبولًا في عناوين مشاريع البحث وخططه ما يدلّ على أن الباحث قد استقرّ على نتيجة البحث، لأن مثل هذا يصيِّر مشروعَ البحث وخطتَه خطةً للتأليف لا خطةً للبحث. وأما المرحلة النهائية للبحث (التأليف) فليس من متطلبات اتصافها بالموضوعية عدم تقديم النتيجة في عنوان المؤلَّف أو مقدمته أو أهدافه، بل يكفي أن يكون فيها المؤلِّف منصفا في عرض أدلّة الخصوم المعارضين للنتيجة التي وصل إليها، بأن يستوفيها ذكرا في مرحلة العرض كما استوفاها دراسة في مرحلة البحث، وأن يبين الطعون التي وجهوها للأدلة التي تدعم رأيه، من غير تحريف ولا انتقاء ولا تهويل ولا تهوين.

وبالنظر إلى متطلبات الموضوعية في كلّ من هاتين المرحلتين: البحث والتأليف، نجد أن الباحثين/المؤلفين من حيث الموضوعية أربعة:

الأول: موضوعي في البحث موضوعي في العرض:

وهو في أعلى المراتب وأسلمها، وهو الذي يُقبل على الحقائق والأدلة في مسألة البحث من غير نظريات مستقرة لديه ومتبناة سلفًا، ثم في مرحلة العرض يلتزم الإنصاف بعرض ما يؤيِّد النتيجة التي رجّحها وما يعارضها من غير انتقاء ولا تحريف ولا تهويل لفظي للأدلة المؤيدة وأصحابها ولا تهوين لفظي للأدلة المعارضة وأصحابها.

الثاني: موضوعي في البحث متحيِّز في العرض:

وهو أدنى من الذي قبله. وهو الذي عند البحث يتسم بالحياد لكنه إذا وصل إلى النتيجة طار بها، وهوّن من معارضيها ومن أدلتهم، وقدَّم في هذه الأدلّة وأخّر، وحذف وأبقى بما يخدم إظهار رأيه في أعلى مراتب القوة، ورأي غيره في أدنى مراتب الضعف، بينما الأمر في الحقيقة ليس كذلك، بل قد يكون الرأيان متقاربين متناطحين.

الثالث: متحيِّز في البحث متحيِّز في العرض:

وهو من يبحث لإثبات نتائج متبناة لديه سلفًا ونظريات مستقرة في رأسه، فهذا في الحقيقة ليس باحثًا وإنما مسوِّق أو مروِّج، يهدف إلى الإقناع لا إلى عرض الحقائق كما هي، فهو مؤلّف أو جامع للأدلة المؤيدة لرأيه لا أكثر، متغافل عن أدلة خصومه في الرأي ومعارضيه أو مشوّه لها انتقاء وتحريفًا وتهوينًا.

الرابع: متحيِّز في البحث موضوعي في العرض:

وهو شر الباحثين، هذا إن صّح وصفه بالباحث، لأنّه يوهم القارئ بأنه موضوعي مهتم بالوصول إلى الحقائق مع أنه مجرّد مسوِّق وبائع للرأي، لكنه يأبى أن يظهر في صورة المسوّق ومندوب المبيعات لأن الناس عادة يفترضون بالمسوقين قلة الإنصاف والتحيُّز، فلا يأخذون كلامهم على محمل الجدّ، فلذلك يتحايل صاحبنا بأن يبدو في عرضه لرأيه على أنه نتيجة بحث وصل إليها بطريقة منهجية سليمة، كما يُظهر أنه استوفى النُّقود التي توجهت على النتيجة التي يتبناها والأدلة المعارضة لها بينما هو ليس كذلك، ويغلِّف كلامه بشيء من الثناء على خصومه في الرأي وبيان فضائلهم، وربما سلَّم ببعض نقودهم أو أدلتهم بما لا يؤثر كثيرًا في الرأي الذي يتبناه ويريد الترويج له.

الأربعاء، 3 أبريل 2019

20 موضوعا مقترحا للبحوث والرسائل العلمية في الفقه وأصوله

1. تقسيمات القياس وأنواعه عند الأصوليين

2.أصول الفقه في عهد التابعين: دراسة استقرائية في كتب الآثار

3. أصول الفقه عند سفيان الثوري

4. تجديد أصول الفقه عند مصطفى الزلمي

5. التعليل بالاسم: دراسة تطبيقية في فقه الشافعية

6. الإصلاح الأسري: دراسة في الضوابط الفقهية والأساليب التربوية

7. التجديد في الفقه وأصوله عند الزحيلي

8. اختلاف رواية أحاديث الوقائع النبوية وأثره في الفقه

9. شروط الاجتهاد بين التيسير والتعسير

10. تعارض الأحاديث وأثره في اختلاف الفقهاء: دراسة استقرائية على كتاب بداية المجتهد

11. تعارض اللفظ والمعنى وأثره في اختلاف الفقهاء: دراسة استقرائية على كتاب بداية المجتهد

12. الأحاديث صحيحة الإسناد التي اتفق الفقهاء الأربعة على عدم العمل بها: جمع ودراسة

13. الاحتجاج بقول التابعي في مذهب أحمد: دراسة استقرائية

14. قاعدة الأخذ بما ينطلق عليه الاسم وأثرها في الفقه

15. الخلاف الأصولي: (أسبابه، ومناهج الوقوف على حقيقته)

16. قادح كسر العلة وتطبيقاته في الاجتهادات المعاصرة

17. الأحكام الفقهية المتعلقة بطرق تخسيس الوزن

18. تحرير محل النزاع في مسائل أصول الفقه: دراسة استقرائية

19. أنماط البحث الأصولي المعاصر

20. تعارض المفهوم مع المنطوق وتطبيقاته الفقهية


الأحد، 17 مارس 2019

12 ميزة للكتاب الإلكتروني على الورقي وفي كل خير





اثنا عشر ميزة للكتاب الإلكتروني على الكتاب الورقي، وفي كليهما خير:

1. خفة المحمل: فيمكن حمل آلاف الكتب الإلكترونية في فلاش مموري بحجم رأس الأصبع.

2. التوفير: فالإلكتروني غالبا مجاني أو رخيص جدا مقارنة بالورقي.

3. إمكانية البحث: الكتب الإلكترونية النصية يمكن البحث فيها ـ كما في الشاملة - بسهولة ويسر وسرعة هائلة لا تقارن مع الكتاب الورقي.

4.التحكم في الخط: يمكنك التحكم بخط الكتاب الإلكتروني النصي نوعا وحجما ولونا بما يناسب قوة ناظريك بخلاف الورقي.

5. الرؤية الليلية: بإمكانك ذلك في الإلكتروني دون إضاءة الحجرة، ولكن ينصح بجعل الإضاءة في الحد الأدنى حفاظا على البصر.

6. الإعارة والهبة: يمكنك أن تعير أو تهدي نسخا لا نهائية من الإلكتروني دون الورقي.

7.الوفرة: لأن النسخ الإلكترونية لا تنتهي ولا تتوقف على إعادة الطبع ولا غير ذلك.

8. المحافظ على البيئة: وذلك بتقليل الاعتماد على الورق المتسبب بقطع الأشجار التي توفر الأكسجين وتحافظ على طبقة الاوزون. 

9. سهولة الأرشفة: الكتب الإلكترونية يمكن ترتيبها في مكتبة إلكترونية بكل سهولة وسرعة، وترتيبها بطرق مختلفة: حسب المؤلف والموضوع والعنوان والكلمات المفتاحية...الخ، ويسهل الوصول إليها بخلاف الكتاب في المكتبة الورقية.

10. سهولة الاقتباس: الكتاب الإلكتروني يمكن الاقتباس منه نصا أو صورة لنص بثوان معدودة بخلاف الورقي الذي تحتاج إلى نسخ النص المقتبس منه يدويا.

11. التفاعلية: الكتب الإلكتروني الحديثة يمكن أن تكون تفاعلية وغنية بأنواع الميديا الرقمية الحديثة كالصور ثلاثية الأبعاد و الصور المتحركة وأفلام الفيديو، والأسئلة التفاعلية التي تصحح تلقائيا، وغير ذلك. 

12. التفنن في التعليق: أغلب القارئات الحديثة للكتب الإلكترونية توفر إمكانية التعليق على نصوصها وحفظ هذه التعليقات وتلوين خطوطها والإشارة إلى الأخطاء الطباعية أو تصحيحها. وغير ذلك.

هذه 12 ميزة للكتاب الإلكتروني على الورقي، إحداها كافية في تفضيله عليه، فكيف بها جميعا. 

ولا أرى فضيلة واحدة للكتاب الورقي على الإلكتروني إلا ما يُسمى هراء بـ "البركة"، والاعتياد. وما مثل من يفضّل الكتاب الورقي على الإلكتروني - في نظري - إلا كمن يفضل ركوب الحمار على ركوب الطائرة؛ لأنه يستمتع بركوب الحمار.

تحياتي لعشاق الكتاب الورقي، والخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية.😎

الأحد، 10 مارس 2019

ظاهرة رواية الحديث النبوي بالمعنى وأثرها في منهج فقه الحديث

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وآله، ومن والاه، وبعد:

ظاهرة "رواية الحديث بالمعنى" اشتط فيها طرفان:

أحدهما: المستشرقون وأتباعهم من الحداثيين الذين اتخذوا هذه الظاهرة الملازمة للنقل الشفاهي مدخلا للطعن في الاحتجاج بالسنة النبوية والتشكيك بها.

والآخر: قوم - من المعاصرين - أرادوا الرد على هؤلاء فزعموا أن الرواية بالمعنى في الحديث جاءت في أضيق نطاق، وجعلوا الأصل هو أن الحديث منقول عن النبي صلى الله عليه وسلم بنفس حروفه وألفاظه.

والذي أراه - وأزعم أنه مذهب جماهير الفقهاء - هو أن الحق وسط بين هذين الطرفين، وهو أن الحديث منقول في أكثره بالمعنى لا باللفظ.

ويدل على ذلك أمور:

أحدها: ما تفيده الروايات عن السلف وجمهور الرواة في تجويز الرواية بالمعنى من كثرة ذلك وشيوعه عن كثير منهم. قال ابن كثير: "جوَّزذلك [أي الرواية بالمعنى] جمهور الناس سلفاً وخلفاً، وعليه العمل، كما هو المشاهد في الأحاديث الصحاح وغيرها، فإن الواقعة تكون واحدة، وتجيء بألفاظ متعددة، من وجوه مختلفة متباينة". [الباعث الحثيث، ص141]

ومن النقول الكثيرة عن أئمة الرواية ونقلة الحديث في تجويز الرواية بالمعنى وكثرتها وشيوعها [ينظر: كتب علوم الحديث ككفاية الخطيب والمحدث الفاصل للرامهرمزي وجامع بيان العلم لابن عبد البر] ما يأتي:

عن واثلة بن الأسقع، رضي الله عنه، قلنا له، يا أبا الأسقع، حدثنا بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس فيه وهم، ولا تزيد، ولا نسيان قال: "هل قرأ أحدكم الليلة من القرآن شيئا، فقلنا: نعم، وما نحن له بالحافظين جدا، إنا لنزيد الواو والألف وننقص قال: فهذا القرآن مكتوب بين أظهركم لا تألون حفظه، وأنتم تزعمون أنكم تزيدون وتنقصون، فكيف بأحاديث سمعناها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، عسى أن لا يكون سمعناها منه إلا مرة واحدة، حسبكم إذا ما حدثناكم بالحديث على المعنى.

وعن أبي سعيد الخدري قال: «كنا نجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم عسى أن نكون عشرة نفر نسمع الحديث، فما منا اثنان يؤديانه على حرف، غير أن المعنى واحد».

وعن الشعبي قال: قلت لابن العباس: إنك تحدثنا بالحديث اليوم، فإذا كان من الغد قلبته قال: فقال وهو غضبان: «أما ترضون أن نحفظ لكم معاني الحديث، حتى تسألونا عن سياقتها».

وعن أبي حمزة قال: قلت لإبراهيم النخعي: " إنا نسمع منك الحديث، فلا نستطيع أن نجيء به كما سمعناه، قال: أرأيتك إذا سمعت تعلم أنه حلال من حرام؟ قال: نعم، قال: فهكذا كل ما نحدث".

وعن محمد بن سيرين، قال: كنت أسمع الحديث من عشرة المعنى واحد واللفظ مختلف.

وقيل للحسن: يا أبا سعيد، إنك تحدثنا بالحديث اليوم وتحدث من الغد بكلام آخر؟ فقال: لا بأس بالحديث إذا أصبت المعنى. وقال غيلان للحسن: يا أبا سعيد الرجل، يحدث بالحديث فلا يحدثه كما سمعه يزيد فيه وينقص، فقال الحسن: إنما الكذب على من تعمده. وقيل للحسن: إنك تحدثنا بالحديث أنت أجود له سياقاً منا، قال إذا كان المعنى واحداً فلا بأس. وقال عمرو بن عبيد : «ما سمعت من الحسن حديثا مرتين قط إلا بلفظتين مختلفتين والمعنى واحد».

وعن عمرو بن مرة، قال: إنا لا نستطيع أن نحدثكم الحديث كما سمعناه، ولكن عموده.

وعن جعفر بن محمد، قال: إن رجلين يأتيان من أهل الكوفة فيشددان علي في الحديث، فما أجيء به كما سمعته، إلا أني أجيء بالمعنى.

وعن عبد الرزاق قال: قلت لسفيان الثوري: حدثنا بحديث أبي الزعراء كما سمعت، قال: يا سبحان الله، ومن يطيق ذلك، إنما نجيئكم بالمعنى.

وعن الفريابي، يقول: سمعت سفيان، يقول: لو أردنا أن نحدثكم بالحديث كما سمعناه - وقال ابن برهان: كما سمعنا - ما حدثناكم بحديث واحد.

وعن زيد بن الحباب، قال: سمعت سفيان الثوري، يقول: إن قلت لكم: إني أحدثكم كما سمعت فلا تصدقوني.

وعن عبد الرزاق، يقول: قال صاحب لنا لسفيان الثوري: حدثنا كما سمعت، فقال: لا والله ما إليه سبيل، وما هو إلا المعنى.

وعن محمد بن إبراهيم بن سعيد البوشنجي، قال: سمعت ابن بكير، يقول: ربما سمعت مالكا، يحدثنا بالحديث، فيكون لفظه مختلفا بالغداة والعشي. [هذا مع أن مالكا لا يجيز الرواية بالمعنى، لكن الضبط التام دومًا ليس في القدرة].

وعن علي بن خشرم، يقول: كان ابن عيينة يحدثنا، فإذا سئل عنه بعد ذلك حدثنا بغير لفظ الأول والمعنى واحد.

وعن يحيى بن سعيد، يقول: أخاف أن يضيق على الناس تتبع الألفاظ، لان القرآن أعظم حرمة ووسع أن يقرأ على وجوه إذا كان المعنى واحدا.

وعن أزهر بن جميل، يقول: كنا عند يحيى بن سعيد ومعنا رجل يتشكك، فقال له يحيى: يا هذا، إلى كم هذا؟ ليس في يد الناس أشرف ولا أجل من كتاب الله تعالى، وقد رخص فيه على سبعة أحرف.

وعن محمد بن مصعب القرقساني يقول: إيش تشددون على أنفسكم، إذا أصبتم المعنى فحسبكم.

وعن عبد الله بن سعيد ثنا بن علية عن بن عون قال: كان الشعبي والنخعي والحسن يحدثون بالحديث مرة هكذا ومرة هكذا فذكرت ذلك لمحمد بن سيرين فقال أما انهم لو حدثوا به كما سمعوه كان خيرا لهم.

وقال وكيع: إن لم يكن المعنى واسعا، فقد هلك الناس.

فهذه الروايات لا تدل على تجويز هؤلاء الأئمة للرواية بالمعنى فحسب بل يدل أكثرها على شيوعها وانتشارها وأنه لا سبيل إلى الرواية باللفظ غالبا.

الدليل الثاني: أن العادة المعلومة من أحوال البشر تحيل في النقل الشفاهي غير المكتوب أن يضبط بألفاظه نفسها في الغالب ولاسيما ما يتناقل عبر الأجيال كما في الحديث. ولذلك وقع في كلام الأئمة كسفيان والحسن وغيرهم مع شهرتهم بالحفظ والضبط أنهم لا يطيقون رواية الحديث باللفظ، بل غالب ما يرونه بالمعنى.

الدليل الثالث، وهو أقوى الأدلة: أن غالب الأحاديث الصحاح التي نقلت إلينا - سواء اتحد مخرجها (أي الصحابي) أو تعدد - إنما رويت بألفاظ مختلفة. وقلَّ أن تجد حديثا تعددت رواياته واتحدت ألفاظه. وحسبك في هذا النظر في الأحاديث التي كررها البخاري في صحيحه من طرق مختلفة، وكذلك ما يرويه الإمام مسلم في صحيحه في الباب الواحد من طرق مختلفة، فغالبه إن لم يكن جميعه مختلف في اللفظ قلة وكثرة. وحتى الأحاديث التي قيل بتواترها لا تكاد تسلم من تغيير في الألفاظ وأكثر ما جاء من المتواتر إنما تواتر بالمعنى لا باللفظ كما قاله غير واحد من المحدثين. وحتى حديث" نضر الله امرأ سمع مقالتي فيلغها كما سمعها"، الذي استدل به بعضهم على عدم جواز النقل بالمعنى، ورد بألفاظ مختلفة كـ "رحم الله امرأ" و"رب مبلغ أوعى من سامع"، و"رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه"، و"رب حامل فقه ليس بفقيه"، وغير ذلك.

قال ابن حجر بعد ما ذكر قصة الثلاثة الذين دخلوا الكهف فأطبقت عليهم الصخرة، وماا فيها من اختلاف الألفاظ والتقديم والتأخير: "وفي اختلافهم دلالة على أن الرواية بالمعنى عندهم سائغة شائعة وأن لا أثر للتقديم والتأخير في مثل ذلك". [فتح الباري لابن حجر 6/ 511)]

وقال السيوطي: "غالب الأحاديث مرويٌّ بالمعنى، وقد تداولتها الأعاجم والمولدون قبل تدوينها، فرووها بما أدت إليه عبارتهم فزادوا ونقصوا، وقدموا وأخروا، وأبدلوا ألفاظا بألفاظ، ولهذا ترى الحديث الواحد في القصة الواحدة مرويًّا على أوجه شتى بعبارت مختلفة".[الاقتراح في أصول النحو، ص74ٍْ].

وقال أبو حيان: "من نظر في الحديث أدنى نظر علم علم اليقين أنهم إنما يروون بالمعنى" [المرجع السابق]

وقال الشيخ محمد رشيد رضا: "لا شك في أن أكثر الأحاديث قد روي بالمعنى كما هو معلوم واتفق عليه العلماء، ويدل عليه اختلاف رواة الصحاح في ألفاظ الحديث الواحد حتى المختصر منها". [تفسير المنار 9/ 422].

وقال الشيخ أحمد شاكر: "والمتتبِّع للأحاديث يجد أن الصحابة – أو أكثرهم - كانوا يروون بالمعنى، ويعبرون عنه في كثير من الأحاديث بعباراتهم، وأن كثيراً منهم حرص على اللفظ النبوي، خصوصاً فيما يتعبد بلفظه، كالتشهد، والصلاة، وجوامع الكلم الرائعة، وتصرفوا في وصف الأفعال والأحوال وما إلى ذلك". [شرح الباعث الحثيث، ص404]

وقال أستاذ الحديث وعلومه د. إبراهيم اللاحم: "الناظر في الأحاديث الصحيحة وفي اختلاف طرقها وفي ألفاظها لا يتخالجه شك أن الرواية بالمعنى كانت هي السائدة". [شرح الباعث الحثيث، دروس مفرغة في المكتبة الشاملة].

الدليل الرابع: أن أئمة الحديث بينوا أن من الخطأ الاتكاء في الفهم على رواية واحدة للحديث بل لا بد من جمع الطرق جميعها حتى يفهم الحديث على وجهه. ولو كان الحديث منقولا بلفظه لما احتيج إلى هذا الأمر. قال ابن معين: "لو لم نكتب الحديث من ثلاثين وجها ما عقلناه"، وقال الإمام أحمد: "الحديث إذا لم تجمع طرقه لم تفهمه، والحديث يفسر بعضه بعضا''. وقال ابن المديني: "الباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطؤه".

وممّا يترتب على هذه الظاهرة (نقل الحديث بالمعنى) وشيوعها أمور:

1. أنه لا يجوز الاستنباط من الحديث والتعويل عليه قبل جمع رواياته جميعا، والنظر فيها ليتبين المعنى المتفق عليه بينها فيكون هو المعول عليه. وأما ما كان تغييرا وزيادة ونقصا فلا يجوز الاحتجاج به حتى يوزن بموازين النقد الحديثية في الجمع أو الترجيح أو التوقف، بشرط عدم التكلُّف في الجمع الذي يكثر منه متأخرو الشراح كالنووي وابن حجر.

2. أن ألفاظ الحديث لا تفيد اليقين إلا إذا تواتر اللفظ، وأن الحديث الغريب (ذو الطريق الواحد) ينبغي أن يتشدد في الاستدلال به، ولا يحتج به حتى يعرض على الأحاديث الأخرى في الباب، وعلى كليات الشرع ومحكمات القرآن.

3. أنه لا يجوز في الاستدلال الإغراق في التمسك بألفاظ الحديث بمعناها الحرفي القياسي من عموم وإطلاق وأمر ونهي، مع عدم الالتفات إلى قرائن القصد والسياق والحال، كما يفعله الظاهرية وبعض أهل الحديث. قال ابن عاشور: "ومن هنا يقصِّر بعض العلماء ويتوحّل في خَضخاض من الأغلاط حين يقتصر في استنباط أحكام الشريعة على اعتصار الألفاظ، ويوجّه رأيه إلى اللفظ مقتنعاً به، فلا يزال يقلَّبه ويحلّله ويأمل أن يستخرج لُبَّه. ويهمل ما قدمناه من الاستعانة بما يحفَ بالكلام من حافات القرائن والاصطلاحات والسياق". [مقاصد الشريعة الإسلامية 3/ 81]. وقال الشيخ عبد الحميد الفراهي: "السنة معظم العناية فيها نقد الرواة، فلا يتعمق في متونها من قبل خواص ألفاظها وتراكيبها، فإن الروايات أكثرها بالمعنى.وأما القرآن فيُعض عليه بالنواجذ فيُحافظ على حروفه وحركاته ويعتمد على ما يستنبط من نظمه وإشاراته، وينفى الاحتمالات الضعيفة عن تأويل آياته". [التكميل في أصول التأويل ص216].

والله أعلم وأحكم.